Tuesday, February 1, 2011

"ملامح على وجه الزمن"


استيقظ على يدها الحانية وهي تهزه برفق وتدعوه للنهوض... اغتسل وبدل ثيابه ثم اتجه الى المطبخ ليصنع لنفسه كوبا من الشاي الساخن عله يدخل بعض الدفء الى قلبه الضعيف... تناول ملعقة صغيرة من السكر وضعها في كوب الشاي واخذ يحركه بهدوء... 

ابتسم لنفسه وهو يتذكر صورا خبأها الزمان في ذاكرته فكم قضى معها اياما حلوة يناكفها وهي تصنع له كوب الشاي فيتلذذ بتذوقه ثم يتصنع الشكوى من مرارته ويطلب منها ملعقة سكر اخرى فتضعها له فيشربه ضاحكا وهو يشكو زيادة السكر في كوبه فتتظاهر بالغضب ثم ترسم على شفتيها ابتسامة صافية فيمسك يدها بحنان ويجلسان سويا في الشرفة يستمتعان بانسام الصباح... 


انتبه من شروده وكان لايزال يحرك كوبه رفعه الى فمه وارتشف منه رشفة... جلس في الشرفة متناولا جريدة الصباح قلب صفحاتها دون اهتمام ثم حدق باتجاه حائط الصور في غرفة الجلوس تنهد بعمق وهو يتأمل صورتها والشريط الاسود اللامع في زاويتها اليمنى...


"طلاء أظافر"



تأمل طلاء أظافرها ورسم على شفتيه ابتسامة باهتة... 


آه لو استطاع أن يرتاح قليلا من عناء الحياة ويجلس على مقعد مريح الى جانب النافذة في ذلك المطعم الصغير وليته يحظى بوجبة ساخنة يتلذذ بطعمها وتملأ معدته الخاوية... 
 

زفر زفرة حارة وهو يشد معطفه المهترئ على كتفيه ويتابع المسير بخطى متعثرة وينظر للخلف الى تلك السيدة وطلاء أظافرها من خلف زجاج المطعم الأنيق...


"اناء من اللبن الدافىء وبضع كسرات من الخبز"

 مجرد ملامح...


لكم من مرة طلبت منه الا يتأخر عن موعد العشاء كانت دوما تلومه وتعاتبه على قلة اهتمامه وهل تطلب منه الكثير... لكنه ابدا لم يستمع اليها... كانا رفيقين لاكثر من خمسة وثلاثين عاما تعرفت اليه وقد كانت لاتزال طفلة على اعتاب الصبا يلتف حول خصلات شعرها الذهبي شريط ازرق لامع  ينسجم برقة مع فستانها الابيض لفت نظرها بفتوته وشبابه...


ولم شملهما بيت صغير تأملا ان يكبر مع الزمن فيمتلئ حبا وحنانا واطفالا... اشتعلت الحرب ونودي للنفير العام غادرها واطفالها صغارا غادرها بلا معيل بلا سند... عاد اليها شخصا مختلفا عصبي المزاج ضيق الافق لا يهتم الا بقوت يومه... ماتت الاحلام وانطفأ بريق الحياة في عينيه... ثم غادرها الى الابد... 

 

اعتادت الاعتماد على نفسها وصعوبة العيش... كبر الصغار وغادروها لخوض معترك الحياة وتاهوا في الطريق...

 


لم يبق لها سوى ذكريات وبعض الحطب  ورفيقها المخلص الذي لا يتأخر ابدا عن موعد العشاء ولا يتذمر من ذات الطبق الذي يتناوله كل مساء... 

 
طبق صغير فيه بعض اللبن الدافىء وبضع كسرات خبز...