Wednesday, April 17, 2013

ديجافو



ديجافو:

ديجا فو Déjà vu أو ديجاڤو كلمة فرنسية تعني "شوهد من قبل"، في إشارة إلى ظاهرة أُطلق عليها هذا الاسم من قبل العالم اميل بويرك في كتابه مستقبل علم النفس. ويقسمها بعض علماء النفس إلى ثلاثة أنواع: déjà vécu "تم رؤيته سابقاً", وdéjà senti "تم الشعور به سابقاً" وdéjà visité "تم زيارته سابقاً". وديجا فو هي الشعور الذي يشعر به الفرد بأنه رأى الموقف الحاضر من قبل بجميع تفاصيله. يلازم هذه الظاهرة شعور بالمعرفة المسبقة وشعور بـ"الرهبة" و"الغرابة" أو ما سماه عالم النفس فرويد بـ"الأمر الخارق للطبيعة". التجربة السابقة التي يهيأ لنا بأننا عشناها عادة ما تكون زارتنا في أحد أحلامنا. ولكن في بعض الحالات ثبتت بأن فعلاً ما نشعر بأنه موقف سابق قد كان حقيقة ووقع في الماضي والآن يُعاد....

سحقا للعمة ويكيبيديا. كل هذا نظريات, مجرد محاولات فاشلة لنقنع أنفسنا بأننا لا نعاني ضربا من الجنون أو ربما شذوذ العقل!
بدأ كل شيء يوم الثلاثاء الثالث عشر من يناير حينما طفت تلك الصورة البعيدة على سطح مستنقع الذكريات... 
قضت صباحا باردا في الطابق الأخير للمدرسة تذرع الممر الطويل جيئة وذهابا, صمت مطبق يقطعه احيانا مدرسة تطل برأسها من احد الفصول في الممر تسأل همسا عما تبقى من وقت للامتحان، تململ هنا وهناك، اضاءة خافتة تبعث في الأجواء نعاس خفي يتسلل الى جفون المراقبات بخفة... فتحت النافذة الصغيرة في آخر الممر لتسمح بتجدد الهواء، أطلت من النافذة وتأملت الشارع لحظات... دق الجرس طويلا معلنا نهاية الامتحان ونهاية دوام ذلك اليوم. هبطت الدرجات المؤدية الى الطابق السفلي سريعا لتلحق بسيارة العودة الى المنزل. سمعت صوتا استوقفها، كان صوتا أنثويا مألوفا يناديها باسمها... سيرين؟
نفس الأسلوب البغيض في لفظ اسمها، مد الياء الأولى أكثر من اللازم بصوت مرتفع... تأملت ذلك الوجه لثوان قليلة قبل أن تتناول الضيفة الغريبة يدها وتضغط عليها بشدة ثم تبقيها في راحتها، وبدأت الكلام... سيرين، كيف الحال وما أخبارك؟ هل أنتي مدرسة هنا؟ هل عرفتيني؟ أتذكرينني؟
نعم؟ هل أعرفك؟
أنا صديقتك. كنا معا في المعهد... 
أعتذر لا أتذكر... قالتها باستعباط وحاولت أن تفلت يدها التي كانت لاتزال في قبضة الضيفة لكن دون جدوى...
أنا منى كنت أسكن أمام المعهد وكنا صديقتين لمدة عام كامل. لابد أنك تتذكرينني يا سيرين.
أعتذر مرة أخرى لم أتذكر. قالتها هذه المرة بحزم أكثر وحاولت جذب يدها لكن الضيفة أحكمت امساكها... 
هل تزوجتي؟ 
كلا.
وأنا أيضا لم أتزوج. لكني التحقت بوظيفة مدرسة ثابتة في مدرسة ..... الثانوية وانا هنا من أجل المراقبة و..... وقد كنت .... وكيف حال....
(كلام كلام كلام! ألا تكف هذه المرأة عن الاسئلة أبدا) كانت تحدث نفسها وقد احمرت وجنتاها وبدأ العرق يتصبب من جبهتها رغم برودة الجو. نعم انها تذكرها جيدا ولكنها تذكر ايضا انها بذلت جهدا كبيرا للتخلص من هذه الذكريات الى الابد، والآن كل هذا مرة أخرى...
تنفست الصعداء حين رأت احدى الطالبات تجري باتجاهها تستعجلها لأن سيارة الأجرة خاصتها قد وصلت. نزعت يدها بقوة هذه المرة وتمتمت بعبارات الاعتذار وجرت بسرعة وقد تضاربت الصور والأفكار في رأسها...
جلست في سيارة الأجرة تفكر بعمق, ألم يحدث كل هذا سابقا؟ نعم، لقد رأت نفسها في ذلك المشهد اللعين سابقا.... 
تسللت الزوجة الشابة الى المطبخ، انتزعت من أحد الأدراج سكينا حادة أمسكت بمقبضها بإحكام وأخفتها خلف ظهرها، مشت بهدوء ناحية الصالة تمتمت لنفسها ببضع كلمات، كان وجهها جامدا خال من أي تعبير وانبرت شفتاها عن ابتسامة مرعبة. عبرت الردهة باتجاه غرفة النوم، قفزت ببراعة خلف سرير حماتها وانقضت بضربات متتالية قوية على جسد العجوز النائمة حتى انقطعت أنفاسها تماما وتأكد لها موتها.
تنفست بعمق وهي ترفع جسدها عن الجثة، ولربما سمع منها صوت قهقهة مكتومة. التفتت ناحية الباب فتجمدت الدماء في عروقها وهي ترى طرف ثوب صغيرتها مختبأة خلف الباب. تلك الشيطانة الصغيرة, لقد حرصت على تهديدها بأنواع العذاب اذا ما نهضت من سريرها او غادرت حجرتها. ما العمل الآن, لقد رأت الصغيرة أكثر مما ينبغي ويجب اسكاتها الى الأبد. تماما مثل جدتها.
وبسرعة تناولت السكين وركضت خلف الصغيرة التي حاولت الفرار وأخذت تصرخ وتستغيث بلا فائدة، فما من مجيب...
أخرجت لفافة كبيرة من البلاستيك من النوع الذي يستخدم لحفظ السجاد، جرّت الجثتين الى الصالة وبدأت بلف كل منها بقطع بلاستيكية كبيرة حتى اختفت معالمها... كان حملا ثقيلا لكنها كانت أكثر تصميما على التخلص منهما، وضعت احداهما في غرفة التخزين داخل شق في الحائط كانت قد أعدته مسبقا وملأته بمادة النفتالين ذو الرائحة النفاثة ثم أعادت بناءه ببعض الاسمنت والرمل الأبيض بعد أن خلطتهما جيدا. أما الأخرى فقررت وضعها في فوهة المدفأة حيث ستتفحم لا محالة مع اشعالها في الليالي الباردة...
افاقت سيرين من أفكارها على صوت زامور السيارة، كان السائق يستعجل سيارة أمامه على الاشارة الضوئية... ياله من يوم غريب، ولماذا تذكرت تلك الحادثة، هل كان لتزامنها مع جلساتها مع منى وأحاديثها السوداوية علاقة؟ هل هي مجرد ألاعيب العقل الباطن؟
لازالت تذكر سبب قطعها لعلاقتها مع منى التي كانت دائمة الشكوى من والدها الذي ظلمها حقها في تعليم جامعي من أجل أن تعمل هي وتنفق على أخوتها الذكور في تعليمهم. ثم ظلمها حقها في الزواج مرات عديدة بحجة أن المتقدم لن يكون زوجا مناسبا لها حتى تبقى في بيته ملتزمة بالانفاق على اخوتها. كم مرة ذكرت رغبتها في قتل أخيها, أو ربما كان والدها... لا تذكر، مضى على ذلك ثمان لا بل عشر سنوات، لكنها تذكر جيدا انها تحدتها مرة أنها لن تقدم أبدا على قتل أحد فما كان منها إلا أن استشهدت بتلك الحادثة التي قامت فيها زوجة شابة بقتل حماتها للتخلص منها حين قامت بالمبيت عندها وابنها وزوجها مسافرين, ثم قتلت طفلتها ذات الأربع سنوات حتى لا يكون هنالك شاهد على جريمتها.... وكانت سيرين تذكر الحادثة جيدا فسخرت من منى بسبب انفضاح أمر الزوجة عند عودة الأب والزوج، واصرار الأب على ابلاغ الشرطة عن اختفاء زوجته داخل العمارة المكونة من طابقين. ورغم اصرار الزوجة في أقوالها أن الحماة خرجت ولم تعد إلا أن الجريمة الكاملة لم تصنع بعد وتم اكتشاف الجريمتين!
هل قامت منى بارتكاب جريمتها؟ لقد كانت طبيعية تماما في لقائهما، سطحية خالية من امارات الذكاء، لسانها يسبق فكرها بأميال...


فتحت النافذة الصغيرة في آخر الممر لتسمح بتجدد الهواء في الممر، أطلت من النافذة وتأملت الشارع لحظات... دق الجرس طويلا معلنا نهاية الامتحان ونهاية دوام ذلك اليوم. هبطت الدرجات المؤدية الى الطابق السفلي سريعا لتلحق بسيارة العودة الى المنزل. سمعت صوتا استوقفها، كان صوتا أنثويا مألوفا يناديها باسمها... سيرين؟
نفس الأسلوب البغيض في لفظ اسمها، مد الياء الأولى أكثر من اللازم بصوت مرتفع... تأملت ذلك الوجه لثوان قليلة قبل أن تتناول الضيفة الغريبة يدها وتضغط عليها بشدة ثم تبقيها في راحتها، وبدأت الكلام... سيرين، كيف الحال وما أخبارك؟
ألم يحدث كل هذا سابقا؟ نعم، لقد رأت نفسها في ذلك المشهد اللعين سابقا....
هل تعرفين ريم.. ريم عصام. انها ابنة أخي الذي يقطن هذا الحي. انها طالبة لديكِ، ربما العام الفائت، انها تقول عنكِ أشياء رائعة وتحبك كثيرا...
كانت لاتزال ممسكة بقبضة يدها بين راحتيها وتتكلم كثيرا كعادتها... ووقفت سيرين تتأملها بامتعاض...
ولكنها تنفست الصعداء حين رأت احدى الطالبات تجري باتجاهها تستعجلها لأن سيارة الأجرة خاصتها قد وصلت. نزعت يدها بقوة وتمتمت بعبارات الاعتذار وجرت بسرعة وقد تضاربت الصور والأفكار في رأسها...

تمت