Sunday, April 11, 2010

"مـــــــــذكرات جنيــــــــه"

St-Takla.org             image:  1 Eg Pound coin  صورة: عملة جنيه مصري واحد


ليه تعمل كده بس... هي دي اخرتها معاك يا مصري... ايييييييييه قال افتكرلك ايه يا زمن... ده انا أصلي ومضروب تحت عين الحكومة ختمة شرعي ايشحال لو كنت مضروب تحت السكك اياهم كنت عملت فيا ايه!
ده انا فاكر اول مرة نزلت فيها السوق جيت في ايد الاسطى حسنين.. ياااه كان اسطى مجدع وايده كلها بركة اول ما شافني باسني وجه وظهر وفضلت في ايده معزز مكرم لحد ما اداني للمعلم حصيرة بتاع العيش اللي حطني في جيبه على مهل... يا سلام كانت ايام بركة بصحيح...
كنت في الزمن ده ليا قيمة واسمي ملعلط واتاقل بالدهب.. ده انا كنت اتفك بعشر برايز بحالهم وافضل بجيب العبد بالشهر والاتنين... كانوا ستة مني يدفعوا ايجار شقة تلات مطارح شهر بحاله... ده انا كنت اعمل حلة بامية لعشر تنفار ومش قرديحي ويحلو بصينية بسبوسة بالسمن البلدي كمان... كانت ايام...
ولفت بيا الدنيا ايد تشيلني وايد تحطني لحد ما وصلت للزمن الاغبر ده... قال ايه ماعدتش ليا قيمة... يوم العيد خرجني الاستاذ حنفي من جيبه وكان طاويني بعناية خاصة واداني لمراته حسنات اول ما شافتني شهقت.. افتكرت نفسي طشة ملوخية.. قال ايه انا يتعمل بيا ايه الزمن ده ده انا ماجيبش عيش حاف!
ياخراشي الوليه حتكدب قدامي ده انا لسه جايب كيس شيبسي حجم عائلي للواد المكلبز هيمه... ولانها صممت على موقفها فالاستاذ حنفي اكتفى بتقديمي عيدية لابنه كموله وكنت متفائل بيه الصراحة قولت خلاص هو ده ماهي العيال كلها كده عمري مانزلت في ايد عيل الا وخدني بالحضن... واول ما مسكني كموله راح باصصلي من فوق لتحت ونطرني في الهوا بقرف وراح قايل لابوه هو لسه في حد بيدي المدعوق ده عيدية!
ده انا كان هاين عليا اديه على وجهه واعلمه ازاي يعرف قيمة النعمة اللي في ايده لكن مالحقتش كرمشني في ايده واداني للي مابيرحمش... بدلني بيويو نص عمر من المفتري البلطجي ساقط ابتدائية سبع مرات الواد بشلة... هو مسكني من هنا وانا اتشهدت على روحي خلاص ماهو شكله سوابق ومايطمنش ولسه حاططني في ايده وراح مبتسم ابتسامة عبيطة والعيال اتلمت عليا وفردني على طولي قولت خلاص هيوديني جوانتانمو بقى... اتصفيت من الروووعب وانا مستني مصيري... اللي مايتسمى طواني مرتين لفوق ومرتين لتحت وعمل مني طيارة صغنونة... يا عبيط مش فلوس انا ولا ورقة صنفرة روح يا شيخ اشتري بيا بون بوني ولا ايس كريم... لا بلاش تولع بقولك... اااااه... ولع فيا المفتري بعد ما ركب في ديلي ماسورة حمرا وطلعت طيراااان...
وقبل ما يكمل شريط حياتي قدامي كنت نازل على جدور رقبتي... في نص الشارع... اخيرا استريحت على الاقل دلوقت يمر حد ويشلني ويجبس الشلفطة اللي في وجهي... يوه ايه ده الناس ماشية وبتعدي ولا حد معبرني خالص!
يا أخ.. انت يا محترم... انا اهو... يا ست يا مووودام... هو فيه ايه اكونش قلبت ربع جنيه اثناء الهبوط؟
وفجأة.. لالا بلاش انت ابوس ايدك... الكلب ابن الكلب قفشني.. ده بيشمني... يييييع... ايه الميه اللي نزلت عليا دي... لا لا بلاش اللسان لااااااااااا... النور طفا فجأة...
وطبعا فضلت في... بق الكلب ساعة حاطط ايدي على خدي ومستسلم لمصيري... ما هو المنطق بيقول انه مش هيروح بيا السوبر ماركت!
الحمد لله مافيش أسوأ من كده... وغالبا هتنتهي رحلتي في حفرة مع شوية عظم!
وانا غرقان في افكاري واذ طوق النجاة قدام عينيا... الراجل الكبارة انا شوفته فين قبل كده... مش مهم المهم هو ده اللي حينقذني اكيد مش حهون عليه... وفعلا زعق للكلب اللي خاف و... احم... خرجني من بقه بكل ادب وقرب مني الراجل الطيب اللي... ايه انت بتعمل ايه يا عم... ده مشي... لا ماتسيبنيش هنا لوحدي انا بخاف من الظلمة وخارج من بق كلب متشلفط يا ناس ارحموا عزيز قوم ذل!
وفي عز ازمتي ونوحي وبكايا جات فارة مقرفة وعدِت فوق وجهي ولا كأني ليا اي قيمة ماهو مش الحق عليها الحق على الـ... ايه ده يووووه تاني... وللأسف لقيت نفسي لزقت في ديلها ومفضلش زلط في الشارع الا وكل مني حتت ورقات... ولما انفصلت عن الديل اخيرا بقوة الاحتكاك كنت خلاص بقيت هفتان عدمان اسود من قرن الخروب وعلشان تكمل خبطتني نسمة هوا في ظهري وفضلت تشيلني وتحطني لحد ما رمتني في الترعة... ايهئ ايهئ كنت فاكرها ترعة لحد ما شميت الروايح البحري دي... وضاعت معالمي خالص وخلاص مافيش حد هيعرف قيمتي بعد كده.... واه يا زمن ياترى هفضل في جيبك يا مصري ولا هينتهي زماني زي ما انتهى زمن المليم!
وااااعجبي

Tuesday, April 6, 2010

"شبح بلا ظل"





هبت في ذلك المساء نسمات باردة تنذر بحلول عاصفة... أخذت الريح تشتد شيئا فشيئا تلاعب أغصان الأشجار على أوتارها في أطراف المقبرة الموحشة... بدا صوت الريح كعواء كلاب ضالة تمزق السكون...

كانت التُرب تلك الليلة جافة موحشة... خرج حارس المقبرة لتفقد المكان في جولته المسائية المعتادة... كان وقع خطواته على الأرضية الحجرية يتعالى في رتابة.. الخطوة تلو الخطوة...
كانت آخر جنازة حضرت الى المقبرة في صباح هذا اليوم لتشييع جثمان الفنان المشهور الذي توفي فجرا اثر نوبة قلبية مفاجئة... كانت عائلة الفقيد تلتف حول النعش في نصف حلقة حينما بدأ حارس المقبرة بتجهيز غرفة الدفن... كانت نظرات حادة تطل من عيني أرملة الفقيد وهي تنظر الى جسد زوجها الذي كفن بقماش قطني فاخر قبل أن يوارى الثرى...

عاد الحارس الى غرفته الصغيرة القابعة في أحد أطراف المقبرة غير بعيد عن المقابر الحجرية وغرف الدفن... أخذ يصنع لنفسه كوبا من الشاي ويستمع الى المذياع الصغير الموضوع على طاولة خشبية تتوسط الغرفة، ثم جلس يحتسي الشاي في هدوء. وكان بين الحين والآخر يرسل نظرات خاطفة نحو النافذة التي تعلو سريره... كان الصوت الصادر عن النافذة مع اشتداد الريح عليها أشبه بنحيب أرملة شابة ابتلع الموج حبيبها... كان يخيل للحارس العجوز أحيانا بأنه صوت أطياف تسكن جنبات المقبرة، تبدأ العويل والنحيب كلما دخل المقبرة ساكن جديد.

أوى الحارس الى سريره قبيل منتصف الليل متدثرا بغطائه الثقيل اتقاء للبرد... كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل حين استيقظ حارس المقبرة فجأة، لقد خيل اليه ان يدا أمسكت كتفه وهزته بعنف...
ظل متدثرا في غطائه قليلا... حبس أنفاسه وقد استيقظت كل حواسه... مرت لحظات... خرج من تحت غطائه وأشعل مصباحه الصغير وجال ببصره في الحجرة... كانت خالية تماما ولم يكن من صوت غير أنفاسه المتقطعة... تمتم ببعض الكلمات ثم عاد الى سريره وأخذ يقرأ بعض الآيات القرآنية.
اطمأن الى ان ما حدث لم يعدُ حلما مزعجا فعاود النوم بهدوء... لم يلبث أن غط في النوم حتى استيقظ ثانية... كان صوت مكتوم آت من بعيد... جلس في سريره وأرهف السمع... كان صوتا غريبا لم يسمع مثله من قبل... أشعل المصباح وارتدى معطفه ثم خرج باتجاه الصوت...
كانت السماء ترسل مطرا غزيرا على المقبرة الصامتة، وبدت القبور سوداء داكنة تثير الرعب في النفس... اقترب حارس المقبرة بحذر من غرف الدفن الموجودة في الطرف الشمالي للمقبرة حيث اعتقد انه مصدر الصوت الغريب...
وجه المصباح داخل احدى الغرف واداره في أطرافها، صاح بصوت جهوري لكن لا مجيب... حاول مجددا تحديد مصدر الصوت... لكن الصوت كان قد تلاشى...
التفت نحو الممشى الحجري... رفع بصره الى السماء... ثم عاد أدراجه...
أطلت من تحت التراب نظرات زائغة مرتعبة ترقب حارس المقبرة من بعيد... تسلل بين القبور صوت أنين متحشرج يحاول عبثا الوصول الى أذني حارس المقبرة الذي اختفى في الظلام...
كانت عينا الشبح القابع تحت الأرض حمراوان كالجمر.. وأخذت يداه المتورمتان تشقان طريقهما خارج التراب... وأصابعه المرتعشة تمزق الكفن الأبيض في محاولة يائسة لانقاذ الجسد... أخذ ينبش قبره بعشوائية وفي كل اتجاه... كان نصف الجسد قد تحرر وأصبح خارج التراب فزاد الأمل في النجاة... بدأ العرق البارد يتصبب على جبهته وأخذ التعب يتسلل الى بدنه المنهك، وأحس بثقل قاتل بيديه فلم يعد يقوى على الاستمرار... لحظات... أخذت ضربات قلبه تتسارع بشكل مخيف... أحس بنبضات قلبه في حلقومه...حاول بكل ما تبقى له من قوة سحب نفسه من تلك الحفرة لكن نصفه السفلي كان عالقا تماما... أصابه الهلع من المصير المحتوم... حاول أن يزيل التراب عما تبقى من جسده لكن يداه كانت تحثو التراب على وجهه ورأسه... أخذ يصرخ ويصرخ... سقط رأسه على التراب مغشيا عليه...

خرج حارس المقبرة في الفجر بإبريق الماء لسقاية التُرب الجديدة... كان الطقس باردا رغم توقف المطر... توجه الى غرفة الدفن التي استخدمت أمس واتجه الى قبر الفنان المشهور... وقف بباب غرفة الدفن ووضع الابريق على الأرض ثم شرع في فتح البوابة... كاد قلبه يسقط من هول المنظر... كانت جثة الفنان ملقاة على الأرض وقد انكشف نصفه العلوي وتناثرت أجزاء الكفن الأبيض حوله بعدما اختلطت بالتراب... وعلق نصفه الآخر داخل القبر... كان لون الجلد قد مال الى الزرقة، وتيبست أنامله في وضع قاس قابضة على حفنة تراب... وفوق الجثة رقدت أحجار رخام لامعة تمت زخرفتها بعناية، كتب عليها بالطلاء الغالي اسم الفقيد... وآيات الرحمة...
تمت