Thursday, June 21, 2012

"وحيــــــــــــدا في المرآة"

 (1)
"وجوه تائهة"


"دنيا.. عمرها ما بدوم لحد يا ابني"... قالتها وهي تزفر زفرة حارة بدت غريبة في مثل ذلك اليوم البارد.. مد يده في جيبه، اخرج قطعتين نقديتين ووضعهما في يد العجوز وتمتم بكلمات الاعتذار ودون ان يتوقف ليسمع ردها مضى في الطريق يتدثر بمعطفه الثقيل يتقي به نفحات باردة حملتها رياح الشمال دون رحمة بابناء الطريق الذين قضى عليهم زمانهم بالخروج الى الطرقات في ذلك الصباح البارد... 
شعر بالم في صدره وهو يتذكر كلمات العجوز بصوتها الاجش المرتجف داخل كنزتها الصوفية المرقعة المليئة بالثقوب...
مضى متثاقلا يجر قدميه دون حماس يقطع ما تبقى من طريق عودته نحو منزله.. توقف امام الباب وادار مقبضه فلم يفتح.. حاول مجددا فوجده مغلقا.. ياله من حظ عاثر ايقن وهو يبحث في جيوبه عن مفتاحه انه سيكون مساء طويلا يصاحبه ليل بارد وستصحبه همسات الوحدة لتؤنس عتمة الجدران...
ولج الى الصالة المعتمة فاستقبلته ساعة الحائط العظيمة المتربعة فوق المدفاة بابتسامة صفراء وصوتها الرتيب يخبره بان الشمس قد اذنت بالمغيب.. دلف الى المطبخ وهو يمني نفسه بوجبة دافئة تذيب الثلوج الجاثمة فوق صدره لكن هيهات... لم يجد فوق الطاولة التي توسطت المطبخ سوى سكون المفرش المزركش بورود بدت باهتة تحجرت الوانها في صمت... وقبعت على باب الثلاجة ورقة كان واضحا انها وضعت على عجل بخطها العشوائي وحروفها الكبيرة الدقيقة تحدجه بنظرة استعلاء تخبره بكلمات قليلة بان جد والدته قد توفي وهنالك بقية من حساء العدس في الثلاجة... لا شيء اخر... ابتسم في سخرية ودارت في رأسه عشرات الافكار.. استقر منها على واحدة.. لن ياكل العدس الليلة...
خرج نحو الصالة ورمى بنفسه على الكنبة الطويلة وكان لا يزال يرتدي ملابسه، خلع حذاءه مستعينا بقدميه، شبك يده اليمنى بيسراه ووضعهما على صدره، اغمض عينيه في استسلام وتثائب في كسل محاولا استحضار سلطان النوم والتحايل عليه للمكوث معه قليلا.. احس بخدر لذيذ يتسلل الى اوصاله وسرعان ما اوصدت اذناه نوافذها فاخذ صوت دقات الساعة بالابتعاد رويدا رويدا حتى فقد اتصاله بعالم الاحياء تماما...
لم يدرك كم مضى من الوقت حين استيقظ فجاة على صوت طرقات خفيفة على باب المنزل.. فتح عينيه بصعوبة وارهف السمع عله يكون حالما.. لحظات وسمع صوت الطرقات مجددا.. التفت نحو ساعة الحائط ودقق النظر في عقاربها السوداء ظن نفسه يعاني من هلوسات النوم عرك عينيه، جلس في مكانه يعاني ثقلا في راسه، نظر مجددا الى عقارب الساعة... هل يعقل ذلك حقا... لم يمض على نومه في مكانه سوى خمس دقائق... نفض راسه محاولا استرجاع ما مر به من احداث هذا اليوم لكنه تنبه فجاة الى صوت تلك الطرقات الناعمة وكانها توشوش باب منزله تدعوه ليفتح لها... تحرك بشكل آلي وفتح الباب لكنه لم يجد احدا... هم بان يغلقه ويعود من حيث اتى لكنه توقف فجاة شرع الباب على مصراعيه وحدق في الشارع الخاوي.. انه باللون الرمادي.. كل مافيه ليس بالابيض ولا بالاسود انه.. رمادي...
احس بالم يسري في اطرافه وشيئا ما يجذبه نحو قارعة الطريق.. مشى بحذر يتلفت حوله في ضيق.. تقدم بضع خطوات ثم لاحظ انه يسير حافي القدمين.. استدار ليعود الى منزله لكن المنزل كان قد اختفى وحل مكانه دكان قديم من تلك البقالات التي تبيع كل شيء بارخص الاثمان، اقترب منها بحذر ممزوج بالفضول، وكان كلما اقترب كلما خيل اليه انه يسمع صوت موسيقى كلاسيكية من ذلك النوع البائد الذي يصدر عن الة الجرامافون القديمة...
  photo
 وقف بالباب ينظر نحو الارفف المكدسة بالاف الاشياء من تلك السلع الاستهلاكية الرخيصة والماركات المقلدة.. "كل واحد وليه يوم" فزع لسماعه ذلك الصوت الاجش مرة اخرى وخفق قلبه بشدة لما رآها تجلس على مقعد متحرك في زاوية الدكان ثم تحرك عجلات مقعدها نحوه...

 تجمد في مكانه لحظة ثم ادرك انه من الخير له ان يغادر هذا المكان وبسرعة.. خرج مسرعا نحو الطريق ولم يلتفت خلفه اخذ يهرول وهو يتصبب عرقا ثم انحرف من الشارع الرئيس نحو طريق فرعي كان يتامل ان يوصله الى منزله...
كان الطريق كحال الشارع الرئيس رمادي قاتم مليء بالازقة وجدران المنازل المرتفعة التي تطل منها شقوق صغيرة تعتبر نفسها نوافذ...
 سار على مهل عله يستدل على علامة تدله على طريق العودة.. لم يكن قد سار في هذا الطريق قبل الان رغم طول مكوثه مع عائلته في هذا الحي.. لقد امضى طفولته وصباه هو ورفاقه يجوبون شوارع الحي وازقته يلعبون ويدرسون ويفتعلون المقالب بجيرانهم الذين يتذكرهم جيدا فردا فردا.. كيف يعقل اذن ان يكون لهذا الطريق وجود.. نظر في احد الازقة وخيل اليه انه راى رجلا يمشي في الزقاق.. استبشر واسرع الخطى حتى لحق بالرجل تنحنح من خلفه وقال بصوت مرتفع “ يا عم ممكن تدلني على الطريق.. الظاهر اني توهت“، وقبل ان يكمل كلامه التفت الرجل فخفق قلبه بشدة وهو ينظر الى تلك العينين السوداوين وتلك القسمات الباردة في وجه الرجل ويديه التي بدت وكان الزمن نسيها فاصبحت بعمر الارض... لاحت حوله خيالات لبشر ليسوا من سكان الارض.. ليسوا من ابناء هذا الزمان.. اجساد احنى ظهورها الزمان ووجوه رمادية تحكي الف حكاية وثياب رثة مزقتها اوجاع البشر... جلس بعضهم على الارض واستند بعضهم الى الجدران ومضى اخرون في حركة ثقيلة نحو اخر الزقاق...





 تحول الزقاق الى حي سكني من تلك الاحياء الفقيرة.. بيوت من صفيح، اكوام من النفايات، طرق مهترئة... لا بل هي مدينة، بقايا مدينة صغيرة اكلتها وحوش الحرب وشياطينها فحولتها الى خراب... قبعت في احدى جوانبها اشلاء مدرسة صغيرة شوهت جسدها ثقوب البنادق والمدافع، وفي فناء احد المنازل جلس بعض الاطفال في جمود وقد بدت في عيونهم نظرات قاسية لم تتناسب مع مسحة الحزن البادية على وجوههم وكانهم ينتظرون من لا ياتي ابدا...


 ارتجفت شفتاه الزرقاوان وحاول التكلم لكن لسانه صمت صمتا  ثقيلا وهربت الكلمات تاركة خلفها دمعات حارة انسكبت على خده راسمة طريقها نحو الارض، سقطت ثم جفت في هدوء...
طأطأ راسه ومضى في الطريق وقد ضاع منه الامل.. مضى دون اهتداء.. مضى الى حيث توصله خطاه... 

Tuesday, June 19, 2012

"حرمت يا مدام... حقي برقبتي"



- يلا يا حازم الساعة داخلة على تمانية
- سيبيني يا سومة كمان شوية
- قوم بقى ماتغلبنيش معاك كده هتتأخر وتأخرني معاك
- يوووه هو الواحد مايعرفش ينام في البيت ده
- نوم ايه انت ناسي انك عندك شغل
- لا يا ستي مش ناسي لكن النهاردة بالذات انا متعمد اتأخر
- اشمعنى
- فاكرة لما قولتلك انه اتنقل لعندنا مدير جديد
- فاكرة طبعا ده انت كنت مزقطط وبترقص وكأنه المدير الجديد من بقية اهلك
- اهو المدير الجديد ده يبقى واحدة ست
- اشمعنى برضه
- هاقولك وافهمك يا جميل بعد ما اغسل  وجهي (يدخل حازم الى الحمام وهو يقفز في مرح ثم يخرج وهو يدندن)
- نفسي اعرف ايه اللي مخليك اخر انبساط بالشكل ده
- بصي يا ستي هنالك على الاقل 14 فائدة لكون مديرك واحدة ست اهمهم انك تروح وتيجي براحتك تشتغل وماتشتغلش براحتك واهم حاجة تترقى براحتك
- مين اللي قال الكلام ده هو علشان ست يبقى فيه تسيب مش ممكن تكون منضبطة
- طبعا هي غالبا في الاول بتحاول لكن الرك على استراتيجية التلات حركات
- وايه ده كمان
- خطوة رقم واحد خليك شيك و سمارت ادخل عليها بابتسامة مشرقة ووردة بيضا دليل قلبك الابيض تزرعها بفازيتها كل صباح
-وامممم تاكل بعقلها طحينة يعني
- خطوة رقم اتنين تعرف قهوتها ايه
- لا بقى اهي دي تحديدا اشمعنى
- يا حبيبتي مفتاح المرأة في قهوتها دي حاجة معروفة
- ياسلام فشرهالي بقى
- ثيت علميا بما لا يدع مجالا للشك انه القهوة بترتبط بمزاج المرأة ارتباط وثيق يعني لو هي بتحبها سادة يبقى مزاجها عصبي وبتنظر للامور بتشاؤم ولو بتحبها وسط تبقى صاحبة مزاج معتدل وطبيعة هادئة غالبا اما لو بتحبها سكر زيادة تبقى صاحبة شخصية مرحة بتحب الخروج والفسح وعايشة حياتها ولو بتحبها مضبوط يبقى دي اللي يتخاف منها لانها غالبا غلبوية وبتحب تصطبح بمشكلة وتتمسى بمصيبة متعة يعني
- كل ده عرفته من مزاج القهوة!!
- طبعا اومال يا حبيبتي وانت لسه شوفتي حاجة
- طيب والخطوة تلاتة
- خطوة رقم تلاتة خليك جينتل وافتحلها باب عربيتها واجعل من ابتسامتك اخر ماتراه وهي مروحة
- انت بتهزر اكيد بتهزر
- لالالا اوعي تتزرزري وتعملي عقلك بعقل الستات وحكاية الغيرة والكلام الفاضي ده
- يعني ابص عليك وانت بتدلق نص علبة الكولونيا على نفسك واسكت
- ايوه طبعا وتشوفيني وانا بتشيك وبدندن كمان مش عاوزة مصلحة جوزك (يقف حازم امام المرآة يدندن في طرب ويسرح شعره وسامية تراقبه في صمت مفتعل)
- ايه يا حبيبتي واقفة كده ليه اه صحيح مش النهاردة اول يوم شغل في المصلحة الجديدة
- الحمد لله انك افتكرت واخدة عقلك الست هانم
- يا سومة يا حبيبتي تيك ات ايزي وخليكي كووول
- انا خلصت لبس من بدري مش تخلص بقى
- معلش يا حبيبتي مش هاقدر اوصلك اصلي لازم امر على محل الورد اخد بوكيه معتبر لزوم الشغل
- وانت فاكر انه الحركات دي ممكن تنفع بجد
- طبعا يا ماما دي خبرة ومتجربة قبل كده شغل على ميه بيضا
- انت هتودي نفسك في داهية ان شاء الله
- تؤتؤتؤ ماتشغليش دماغك الجميلة بالموضوع ده وهاثبتلك انه كل الستات زي بعض شويه شطارة على شيطنة وسعادتها تبقى في جيبي الصغير
- يا حازم الدنيا اتغيرت الستات دلوقت غير زمان وعلشان توصل اطلعها سلمة سلمة وبكفاءتك ممكن تبقى انت المدير في يوم من الايام
- انت عاوزاني اعمل زي الناس المثالية واقعد كل عشر سنين على نفس السلمة بلا خيبة الدنيا تطورت وعلى قد شطارتك املى جيبك
- بكرة نقعد على الحيطة وتاخد جزا على عمايلك وتعشيني على حسابك بره
- ماشي يا سومة بكرة تعرفي اني راجل خبرة قال جزا قال
(تخرج سامية مسرعة الى عملها تاركة حازم في انشغاله امام المرآة)
................................................
(يدخل حازم بعد العاشرة صباحا الى مكتب السكرتاريا تسبقه رائحة الكولونيا وفي يده بوكيه ورد ابيض يعدل الكرافتة وهو يطلب من السكرتيرة ادخاله على المديرة الجديدة)
- صباح الفل والورد والرياحين يا فندم
- متأخر اكتر من ساعتين يا محترم مخصوم منك يومين
- لالا يا فندم حضرتك اكيد هتغيري رأيك لما تعرفي سبب تأخيري وانشغالي بصي للورد الابيض ومزاجك يروق على طول (تعتدل المديرة في جلستها وتلف المقعد لتواجه حازم)
- يالهوي! سومة يخرب بيت عقلك ايه اللي جابك هنا
- اسمي مدام سامية يا فندي واتفضل على الشؤون القانونية انت متحول للتحقيق
- لا لا ده ظلم ده افترا ده كابووووس!

-تمت-
 

Sunday, June 17, 2012

"أسطورة الفرار هاري هوديني: ساحر أم جاسوس؟"

 

ولد هوديني في بودابست بالمجر يوم 24 مارس من عام 1874 من اسرة يهودية. وانتقلت أسرته إلى أبلتن بولاية ويسكنسن الامريكية وذلك عندما كان طفلاً. وكان اسمه الحقيقي إيريك وايس. وأخذ اسمه المسرحي من جين يوجين روبرت هودين الذي كان ساحرًا فرنسيًا مشهورًا في السنوات القريبة من القرن التاسع عشر الميلادي. وبعد ذلك جعل من هذا الاسم اسمًا شرعيًا له.

البداية والاحتراف
بدأ هوديني مهنته بأداء حيل أوراق اللعب. وفي عام 1900م، بعد أن طور أعمال هروبه من المآزق، أصبح نجمًا يقدم عروضًا في كثير من مسارح القمة في جميع أرجاء العالم. وكان العرض الذي يقدمه هوديني يصور حيلاً سحرية ووضعًا وشروحًا لما كان يعد خداعًا روحيًا.
كان هوديني من النوع الذي لا يكل ولا يمل من الدعاية لنفسه وعمله مع أنه لم يستخف بذكاء الجمهور. وتروي السيرة عرض الفرار الذي أقيم في العام 1902 في بلاكبورن بانجلترا، حين رفض هوديني أن يستسلم على رغم استعمال الأغلال المحكمة التي جعلت فراره مستحيلاً. وبعد ساعتين استطاع هوديني الإفلات من السلاسل التي قيدته، واستقبله الجمهور بالوقوف والتصفيق الحاد. وفي اليوم التالي كان ذراعا هوديني ممزوقتين ومتورمتين بشكل مخيف، لأن الأصفاد كانت مثبتة بشكل معقد فلم يكن أمامه خيار سوى أن يمزق لحمه ليتخلص منها.

علاقته بالأرواح
استهزاء هوديني المتواصل من حركة الروحانيين التي كان من دعاتها الروائي ارثر كونان دويل مؤلف روايات شارلوك هولمز الشهيرة، كانت سببا في النهاية في موته. وقد كانت الحركة تدعي أن أعضاءها يستطيعون الاتصال مع الموتى، فيما كان هوديني يصرعلى أنهم مشعوذون. في مطلع القرن العشرين انضم هوديني إلى زوجته ‘’قارئة الطالع المشهورة’’ في تقديم عرض مزيف قام فيه بدور الروحاني فيما لعبت هي دور الوسيط. ولكن هوديني اجتاز الخط إلى الجانب الآخر في النهاية وفضح الوسطاء الروحانيين الأدعياء مثلما كان يفضح السحرة الذين يقلدون عروض فراره. نشرت زوجته الرسالة التي كتبها قبل وفاته والتي يقول فيها:

"أنا لا أؤمن بتحضير الأرواح ولو كان تحضير الأرواح حقيقة لعاد هوديني إلى الحياة وهوديني العظيم لن يعود ابدا."






الجاسوس
 هــــل كـــان نجــــم الفــــرار هــــاري هــــوديني جـــاســـوســـاً؟
لايزال اسم هاري هوديني الى اليوم مرتبط بفكرة النجاة من الموت في أقسى الظروف. وقد كثر الكلام حول الهوية الحقيقية لمحترف الفرار الكبير حيث تناولت احدى السير الذاتية لهوديني تحت عنوان "الحياة السرية لهوديني" كونه جاسوساً لشرطة السكوتلانديارد البريطانية يراقب الفوضويين الروس ويلاحق المزورين لحساب الشعبة السرية الأميركية - كل ذلك قبل حادثة موته الغامضة عن 52 عاما.

وترسم السيرة سيناريو استطاع من خلاله هوديني مستعملاً مهنته كغطاء، أن يسافر إلى الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم لجمع المعلومات لحساب السلطات البريطانية. ولقد توصل مؤلفا السيرة وليام كالوش ولاري سلومون إلى هذه العلاقة بعد أن راجعا مفكرة وليام ملفيل، رئيس الجاسوسية البريطاني الذي ذكر اسم هوديني مرات عدة في يومياته.
ملفيل، الذي كان يعمل في السكوتلانديارد في مطلع القرن العشرين، ساعد على الترويج ودعم عمل هوديني في أوروبا بتمكينه من إحياء حفلات عرض خلالها مهاراته في الفرار من الموت. وفي عرض خاص رتبه مليفل استطاع هوديني أن يتخلص من أصفاد كبلت في يداه، أمام صاحب إحدى صالات العرض.
ويوحي الكتاب بأن حماسة ملفيل لم تكن منزهة عن غرض بل كانت جزءاً من صفقة عمل بموجبها هويدني جاسوساً. ويشير الكتاب إلى أن حالة مماثلة جرت في شيكاغو، حيث انطلقت شهرة هوديني بعد تقديمه عرضاً دعائياً بمساعدة أحد قادة الشرطة المحليين.

ويروي مؤلفا السيرة أيضاً حادثين وقعا سنة ,1926 تعرض فيهما هوديني للكمات في بطنه. أولهما من قبل طالب جامعي في غرفة تغيير الملابس، ولاحقاً من قبل شخص غريب في بهو الفندق.
ويوحي الكتاب أن الروحانيين رتبوا الاعتداءين. وفارق هوديني الحياة بعد أيام قليلة. وبدا أن هالته كفرد لا يقهر قد انتهت. ولكن هل زالت هذه الهالة حقا؟

قصص غريبة: "الدبدوب الأبيض"

"الدبدوب الأبيض"


أحداث هذه القصة حدثت في إحدى ضواحي حي هادئ عام 2002، ولتسمح لي عزيزي القارئ أن أتحدث إليك براحة ويسر فأحدثك بالفصحى تارة وبالعامية تارة أخرى ليس لعيب في العربية الفصحى - لا سمح الله - ولكن حتى تصل أفكاري إليك كما أراها أمام عيني...
بداية اسمح لي بأن أعرفك على أبطال قصتنا...قصتنا اليوم ابطالها راوية صاحبة الوجه البشوش دوما مهندسة كمبيوتر تعمل لدى احدى شركات البرمجة. متزوجة ولديها من الأبناء أحمد وعلا... أما الزوج فهو البشمهندس ممدوح صاحب شركة مقاولات صغيرة، خلوق جدا محب لعائلته وزوجته ومخلص جدا في عمله...
هي أسرة زي كل الأسر المصرية التي تكون في بداية مشوار الحياة متوسطة الحال تعمل بجد وجهد حتى تستطيع توفير معيشة كريمة لابنائها...
وكعادة الزوجين في كل صباح يخرج ممدوح من البيت اولا ثم تجهز راوية الولدين وترافقهما للمدرسة ثم تذهب الى عملها القريب من البيت...
وكان المعتاد في نهاية كل اسبوع ان يأتي الولدين مبكرين من المدرسة فيذهبا الى بيت جدتهما القريب ثم يلحق بهما الوالدين لقضاء اليوم مع الجدة والأقارب...
وفي مرة من المرات قرر الوالدين تحت الحاح شديد من احمد وعلا الخروج الى مدينة الملاهي التي كانت تقام في المدينة بمناسبة بداية الربيع وسعد الزوجين بالفسحة تماما كسعادة الطفلين وربما اكثر ومضى اليوم رائعا ممتعا ومما زاد راوية سعادة محاولات ممدوح المستميتة امام معرض الهدايا لمحاولة الحصول على الدبدوب الابيض اكبر لعبة في المعرض وطبعا الحصول عليه يكون مقابل رمي الكرة واسقاط كل الاهداف المرصوصة على الرف... وكسب ممدوح الجايزة الاولى وحمل الدبدوب الذي يبدو بحجم طفل في الخامسة من عمره وقدمه هدية لزوجته الحبيبة... وعاد الجميع الى المنزل بعد يوم حافل وقررت راوية وضع الدمية في صالة المنزل بسبب صغر حجم اوضة النوم...
وفي صباح اليوم التالي استعد الجميع للخروج وكانت راوية مستعجلة على غير العادة بسبب قدوم مدير جديد للشغل عندها فقررت الخروج قبل الاولاد مع التأكيد عليهم بضرورة اغلاق الباب باحكام عند الخروج من المنزل والتأكد من انه المفتاح مع احمد لانه الكبير... وفعلا خرج الاولاد ونفذوا وصية امهم ومضى اليوم عاديا... وبعد الظهر عاد ممدوح الى المنزل مع الاولاد وكانت راوية لاتزال في الشغل... دخل الجميع الى المنزل وجري الاولاد سريعا الى المطبخ بحثا عن الغداء اللي كان المفروض راوية حاطاه في التلاجة حتى يتم تسخينه عند عودتهم لكن فوجئ الطفلان بأن الأكل كان محضرا على طاولة السفرة ساخنا تعبق رائحته الزكية في المكان... نظر الطفلان الى بعضهما باستغراب وافاقا من شرودهما مع سماعها لكلمات ممدوح آتية من غرفة النوم "خرجوا الاكل من التلاجة يا ولاد انا جاي حالا اسخنه علشان ناكل مع بعض"... لحظات ودخل ممدوح الى المطبخ فوجد الطفلين لازالا واقفين امام طاولة السفرة فنظر اليهما باستغراب معاتبا "انا مش قولت تستنوا بابا يعني احسن تحرقوا صوابعكم وانتم بتسخنوا الاكل.. ثم ازاي حضرتوا السفرة بسرعة كده شكلكم واقعين من الجوع... يلا يا ولاد علشان ناكل"...
ولما جلس الجميع للغداء اخبر احمد والده بما حصل وانه هو واخته دخلا المطبخ فوجدا كل شيء جاهزا... فكر ممدوح لحظات ثم ابتسم وقال "امكم مابتنساش حاجة اكيد جات البيت قبلنا وحضرت السفرة"...
وفي المساء كان ممدوح قد نسي ما حدث وانشغل الولدان بتحضير دروسهما وانهاء الواجبات.. اما راوية فكان امامها تلال من الاوراق التي كانت بحاجة الى انجاز انتهت منها قريبا من منتصف الليل.. دخلت الى المطبخ وهي تتمنى ان تجده نظيفا مرتبا ولكن هيهات فها هي أكوام الصحون على المجلى والاكواب المتناثرة هنا وهناك... لكنها شعرت بتعب شديد فقررت النوم على ان تصحو باكرا لانجاز المطبخ قبل ذهابها الى العمل... وفعلا استيقظت راوية على اذان الفجر وهمت بايقاظ ممدوح للصلاة لكنها لم تجده بجوارها ولا في المنزل فايقنت انه ذهب للمسجد... اتجهت الى المطبخ ويا للمفاجأة السارة المطبخ من كتر النظافة بيلمع... ابتسمت في رضا صلت ثم عادت الى فراشها لتستمتع ببضع لحظات اخرى من النوم اللذيذ قبل موعد الاستيقاظ...
وفي الصباح شكرت راوية زوجها على تعاونه معها وهو ينظر اليها باستغراب شديد "مساعدة.. المطبخ... راوية يا حبيبتي انا كنت في سابع نومه وماصحيتش الا الفجر"... "يكونش العيال؟ شفت هما عيال طيبين ازاي"... وطبعا كان لابد من شكر الاولاد على انجازهم وتذكيرهم انه ده واجب ماما ومش لازم يصحوا في نص الليل علشان يساعدوها... ضحك الاولاد من الفكرة وانكروا تماما انهم مسؤولين عن تلميع اي حاجة في المطبخ... وطبعا بسبب الضحك والابتسامات والغمز فهم الابوين انهم خلف الحدوتة دي لكن مش عاوزين يقولوا خوفا من تكليفهم ببعض الاعمال المنزلية...
وفي الايام التالية تكرر خروج راوية الى عملها قبل بقية افراد العائلة ثم عودتهم هم قبلها ودائما ما يجد الاولاد البيت مرتبا نظيفا والاكل جاهز على السفرة وعند سؤال الاب عمن ينجز هذا العمل يكون الجواب واحدا: "امكم"...
وفي مرة حدث أن خرجت راوية من البيت ثم عادت بعد ساعتين لجلب بعض الأوراق المهمة.. دخلت الى اوضة النوم وأخذت الأوراق ثم خرجت لكنها عادت بضع خطوات الى الوراء نحو الصالة فقد لاحظت شيئا غريبا... الدبدوب اختفى!
لم يكن الموضوع ذو أهمية لولا ان راوية سمعت صوتا غريبا مصدره المطبخ.. وكأنه صوت حنفية الميه وكركبة صحون... اتجهت راوية بحذر نحو مصدر الصوت وما ان وقع بصرها على المجلى حتى شهقت وسقطت مغشيا عليها وقد احترق جسدها بالكامل...
أفاقت راوية من غيبوبة طويلة وقضت أكثر من ثلاثة أشهر في المستشفى تتعافى من الحروق لكنها ابدا لم تنطق بعد ذلك فقد اختفى صوتها تماما كما اختفى الدبدوب الابيض في ذلك اليوم...