Saturday, August 17, 2013

الكمان الاحمر

The Red Violin


"في بعض الحكايات التي ولدت من رحم بنات أفكار ذلك العبقري العاشق للتاريخ يكون الفاصل بين الحقيقة والخيال شعرة يكاد سوادها يختفي بين طيات تسلسل متقن للأحداث يعكس خيالا منمقا على صفحة مرآة التاريخ..."

على امتداد أربعة قرون وخمس دول تحكى قصة الكمان الغامض وأصحابه المختلفين....


كريمونا، ايطاليا 1681
تبدأ أحداث القصة بصانع الكمنجات الايطالي نيكولو بوسوتي وزوجته آنا رودولف التي تنتظر مولودها الأول. يلازم آنا شعور خفي بالخوف اذ ان سنها قد تعقد الحمل او الولادة، على الرغم من تأكيد نيكولو لها انه سيكون لديها افضل الاطباء والمشرفين على الحمل والولادة. لكن الشعور بالخوف والقلق دفعا آنا للتحدث مع خادمتها لورينزي شيسكا لتقرأ لها الطالع وترى ما ستأتي به الأيام لمولودها الصغير...
جلست شيسكا محتارة فهي لا تستطيع قراءة المستقبل لشخص لم يولد بعد. لكنها تعرض على آنا ان تقرأ لها طالعها هي مستعملة أوراق التاروت. تختار آنا خمس بطاقات تناولها لشيسكا بحذر...
الورقة الأولى تكشف (القمر) موضحة ان آنا ستعيش عمرا طويلا.
في هذه الأثناء يعمل نيكولو بجد حتى ينهي قطعته الأخيرة، كان متيقنا أن هذا الكمان سيكون تحفة حقيقية هي أفضل ما صنعت يداه واثقا أن طفله المنتظر سيكون موسيقيا ذا شأن.
كان يهم بدهان الكمان حين تم استدعاؤه على وجه السرعة ليكتشف أن زوجته وطفله قد توفيا.
عاد نيكولو مذهولا الى ورشته في الطابق الأرضي لمنزله حاملا على يديه جثة زوجته، وضعها على طاولة العمل في منتصف الورشة ودون تفكير كثير قطع في معصمها شريانا وعبء من دمها الاحمر القاني قارورة صغيرة خلطها ببعض المواد الكيميائية ليصنع منه دهانا لكمانه، وبفرشاة صنعها من شعرها الذهبي طلى الكمان بلون أحمر قاني أعطاه شهرته فيما بعد، وكانت آخر قطعة صنعها نيكولو بيديه.
وقبل وفاته تبرع بكمانه العزيز لدار الأيتام في النمسا حيث تعاقب على التمرن عليه وعزفه اطفال الميتم لما يزيد على المئة عام.

فيينا، النمسا 1793
تقلب شيسكا بطاقة ثانية فتكشف عن (الرجل المشنوق) وهو يعني المرض والمعاناة لأولئك حول آنا. 
في ملجأ الأيتام يتنقل الكمان الأحمر حتى يصل الى يد كاسبار ويس الذي كان رغم صغر سنه عازفا بارعا للكمان. ويتم استدعاء استاذ معروف ليساعد الصغير على ان يبرع بالعزف ويصقل موهبته.. ومع الوقت يعرض عليه الراهب من الميتم تبني الصبي ليستطيع مساعدته وتقديمه الى عالم الموسيقى. يوافق بوسين الاستاذ ويأخذ الصبي وكمانه معه الى فيينا  على الرغم من توجس زوجته من أنهما لا يستطيعان تحمل نفقات الصبي. ولكن بوسين مقتنع ان موهبة الصبي ستدر عليه الكثير من المال فيما بعد. 
يعلم بوسين بعد مدة بزيارة أمير لفيينا يبحث عن حدث مهم ليعود به الى بروسيا. فيقوم بوسين بوضع الصبي في طريقه ليعودا معا الى بروسيا واعدا اياه بشهرة واسعة ومال وفير.
يضع بوسين الصبي تحت تدريب مكثف وبرنامج لتسريع تعليمه يزداد شدة كل يوم. لكن يتضح مع الارهاق وشدة التدريبات وجود عيب خلقي في قلب الصبي الصغير، ورغم تعلقه بكمانه الا انه لم يستطع الاستمرار بالعزف. ويتبدى الامل في الحصول على عازف موهوب لكن الكمان كان يفي بالغرض وجاء ثمنه معينا للصبي على تحمل تكاليف العلاج مع ابقائه معه للتسرية عنه حتى توفي ودفن في دار الايتام التي نشأ وترعرع فيها. وحين يسأل بوسين عن الكمان لتقدير قيمته المحتملة يبلغه الرهبان بأنهم دفنوه مع الصبي بسبب تعلقه به. الا ان لصوص القبور يكتشفون الكمان وتبدأ رحلته مع مواكب الغجر ويتنقل من يد الى أخرى يعزفه الغجر في ليالي السمر. ويمضي قرن آخر قبل ان يتم نقله الى انجلترا.

اكسفورد، انجلترا 1890
تقلب شيسكا البطاقة الثالثة ويظهر عليها (الشيطان) فتوضح لآنا انها ستلتقي رجلا يغريها بموهبته العظيمة وذكائه. 
فريدريك بوب يتجول بين مواكب الغجر ويجلس الى احدى حلقات السمر عندما يرى ويسمع غجرية تعزف الكمان الاحمر. يهرع الغجر للمغادرة بعدما اخبرهم فريدريك بانهم يعتدون على ممتلكات لا تخصهم، لكنه يقنعهم بالبقاء ويعرض ضيافته لهم مقابل الكمان.
يلاقي فريدريك رواجا كبيرا وشهرة واسعة في حفلاته الموسيقية برفقة الكمان فضلا عن مؤلفاته. وكان يعشق الكمان كما عشق فكتوريا بيرد ملهمته والكاتبة الروائية التي تتنقل من بلد لآخر لتستوحي أفكار جديدة لكتاباتها.
تعلن فكتوريا رغبتها السفر الى روسيا من أجل انهاء روايتها الأخيرة، وبعد مغادرتها يبدأ كل من العاشقين كتابة الرسائل لبعضهما الى ان تدرك فكتوريا ان فريدريك فقد حماسه للتأليف الموسيقي فيدمن الخمر والكسل لاغيا أغلب حفلاته الموسيقية ثم تنقطع رسائله لفكتوريا.
ومع انقطاع رسائله لفكتوريا لمدة اسبوع كامل تقرر العودة فورا لتجده وقد استبدلها بأخرى؛ الغجرية عازفة الكمان. وفي لحظة غضب تطلق فكتوريا الرصاص على الكمان لتقطلع عنقه وتفصل الأوتار والذيل ثم تهرول خارجة.
جاءت رسالة فريدريك الأخيرة لفكتوريا معلنة انتحاره وتركه لكامل ممتلكاته لها... أما الكمان فينتهي الى يد خادمه الصيني الذي يعود الى شنغهاي ويبيعه الى تاجر انتيكات يقوم بدوره بإصلاح الكمان مستخرجا منه جوهرة مرصعة كانت مخفية داخله. 
يبقى الكمان في المعرض لثلاثة عقود قبل أن يباع الى امرأة شابة مع ابنتها في ثلاثينيات القرن العشرين.

شنغهاي، الصين 1960
تقلب شيسكا البطاقة الرابعة التي تكشف (العدالة) والتي تعني أوقات عصيبة قادمة توضح محاكمة ظالمة واضطهاد يواجه آنا وتدان بأنها مذنبة.
في فوضى الثورة الثقافية في الصين كانت تعتبر أي أفكار أو أدوات برجوازية (خاصة من الغرب الرأسمالي) تهديدا لمبادئ الثورة ويجب التخلص منها. كان من ضمن المضطهدين اجتماعيا مدرس الموسيقى تشو يان الذي وبخ وتعرض للشجب العلني لولعه بالموسيقى الكلاسيكية الغربية. 
شرطي الأمن الوطني شيانغ بي يحاول الدفاع عن تشو من خلال اقتراحه ان يعلم تشو الموسيقى التقليدية الصينية. ويتم اطلاق سراح تشو بعد أن يجبر على أن يلقي بكمانه الى النار اضافة الى عدد آخر من المواد المحرمة. 
تعود شيانغ الى منزلها وتبدأ بالتخلص من مجموعتها التي أخفتها من سجلات واسطوانات كلاسيكية ومقطوعات حتى وقع في يدها الكمان الاحمر الذي تلقته هدية من والدتها. وفي هذه اللحظة يدخل عليها ابن أختها مينغ فتشرح له حكاية هذا الكمان ثم تعزف عليه مقطوعة وتحذره من اخبار احد بوجود الكمان لديها. وبسبب زلة لسان مينغ يقتحم عدد من الحراس الحمر شقة شيانغ بحثا عن الكمان لكنهم لا يجدون سوى سلة بها عدد من الاسطوانات القديمة والمعزوفات الكلاسيكية. 
تصل شيانغ هاربة من الحراس الى منزل تشو وتقنعه بالاحتفاظ بالكمان. يرفض تشو حتى تهدده شيانغ بتحطيم الكمان أمامه. يحاول تشو جاهدا اخفاء الكمان في حين تعود شانغ الى شقتها لتواجه مصيرها.
بعد ذلك بعدة سنوات، تتلقى الشرطة شكوى من جيران تشو، فيقتحمون الشقة ليجدوا جثة تشو  وسط العشرات من الآلات الموسيقية الثمينة. وبناء على هذا الاكتشاف تقرر الحكومة الصينية وبعد انتهاء حكم الطاغية ماو تسي تونغ بيع هذه الآلات في مزاد علني بمونتريال.

مونتريال، كندا 1997
تقلب شيسكا آخر البطاقات (الموت) ولكن شيسكا لا تراها تنبئ عن الموت بل الولادة من جديد حيث يحاول العديد الحصول على آنا وانه سيكون هنالك مال وفير.
يصل موريتز الى مونتريال كمقيم للكمنجات والآلات الموسيقية القادمة بحرا من الصين ومنذ الوهلة الأولى تقريبا يتعرف على الكمان الاحمر من بين الآلات ويوقن انه القطعة الاخيرة التي صنعها نيكولو بوسوتي. يقنع خبير الترميم ايفان وليامز ليقوم بتحليل اجزاء من الكمان ويرسل عينات من دهان الكمان الى مختبر في جامعة مونتريال لفحصها. 
وفي نفس الوقت يقوم بشراء نسخة من الكمان الاحمر من هاوي لجمع التحف من لندن يعتقد ان فريدريك بوب بنفسه قام بصنعها عن الأصل قبل وفاته. 
يقوم عازف كمان مشهور هو روسيلسكي بزيارة مكان وجود الآلات القادمة من الصين للنظر اليها قبل العرض، ويتناول الكمان الاحمر مبديا رغبته بالعزف عليه معتقدا انه الكمان الاحمر المشهور لكن مورتيز يقنعه انه انما نسخة مقلدة وليست الاصل.
 تصل نتيجة تحليل عينات الدهان التي تصيب مورتيز بالدهشة لاكتشافه وجود دماء بشرية في الدهان المستخدم مما يؤكد نظريته. وحين يواجهه مدير المعرض ومساعده بالتكاليف الباهظة التي انفقها مورتيز يجبر على الاعتراف بأن هذه التكاليف كانت للتأكد من هوية الكمان مؤكدا أنه قطعة نيكولو الاخيرة. 
ويبدأ المزاد وقد تركزت العيون على القطعة الفنية المميزة ويتسابق المهتمون لنيلها ومن بينهم روسيلسكي. وفي طريقه الى المطار عائدا لبلاده يتوقف مورتيز لالقاء نظرة أخيرة على الكمان ومعه نسخته اللندنية منه. 
وفيما تتم المزايدة على آلة موسيقية يحضر الكمان لتتم المزايدة عليه بعده مباشرة. يقنع مورتيز ايفان ليساعده على تبديل الكمان الاحمر بالنسخة التي بحوزته. ينفذ مورتيز بسرعة وبهدوء موقعا بالخطأ رقعة الكمان التي عليها رقمه. يضع الكمان الاحمر في حقيبته ويخرج باتجاه صالة المزاد دون أن يلحظه أحد. 
وعندما حان الوقت لعرض الكمان الاحمر للمزاد تعترض مديرة المزاد اخراج الكمان للعرض بسبب عدم وجود الرقعة، يتوتر ايفان الذي كان لايزال في المكان يرقب بحذر ثم يفاجأ بالرقعة الناقصة على الأرض تحت أرجله، يلتقطها ويناولها لمديرة المزاد التي تسرع بوضعها في مكانها ثم يعلن عن فتح المزاد على الكمان الأحمر الذي يفوز به روسيلسكي بمبلغ 2.4 مليون دولار دون علمه بان ما اشتراه نسخة مقلدة وليست الأصل.
يهرع مورتيز الى الخارج حاملا كنزه الثمين وفي طريقه الى الشارع الرئيسي ينادي عليه أحد عمال الصالة، يتوقف مورتيز دون أن يلتفت وهو يترقب بخوف، يصل اليه الخادم وهو يحمل معطفه فيتناوله منه مورتيز شاكرا ويتنفس الصعداء.

يستقل سيارة أجرة في طريقه الى المطار عائدا الى نيويورك ويكلم زوجته هاتفيا للاطمئنان عليها ويطلب منها التحدث مع ابنته ويخبرها بأنه أحضر لها هدية خاصة جدا بمناسبة عودته لأرض الوطن.




Sunday, August 11, 2013

قصص غريبة: مصرع رونالد اوبوس

"ليلة مصرع رونالد أوبوس"


23 مارس 1994 

بيّن تقرير تشريح جثة رونالد أوبوس أنه توفي من طلق ناري في الرأس، بعد أن قفز من سطح بناية مكونة من عشرة طوابق، في محاولة للانتحار،تاركا خلفه رسالة يعرب فيها عن يأسه من حياته. وأثناء سقوطه أصابته رصاصة انطلقت من إحدى نوافذ البناية التي قفز منها، ولم يعلم المنتحر أو من أطلق النار عليه وجود شبكة أمان بمستوى الطابق الثامن، وضعها عمال الصيانة، وكان من الممكن أن تفشل خطته في الانتحار.
من الفحص تبين أن الطلقة التي أصابته انطلقت من الطابق التاسع. وبالكشف على الشقة تبين أن زوجين من كبار السن يقطنانها منذ سنوات، وقد اشتهرا بين الجيران بكثرة الشجار، ووقت وقوع الحادث كان الزوج يهدد زوجته بإطلاق الرصاص عليها إن لم تصمت، وكان في حال هيجان شديد بحيث ضغط من دون وعي على الزناد فانطلقت الرصاصة من المسدس،ولكنها لم تصب الزوجة بل خرجت من النافذة لحظة مرور جسد رونالد أمامها فأصابت في رأسه مقتلا!
والقانون ينص على أن «س» مدان بجريمة قتل إن هو قتل «ج» بدلا من «ك» من الناس، وبالتالي فالرجل العجوز هو القاتل، حيث ان شبكة الأمان كان من الممكن أن تنقذ حياة رونالد من محاولته الانتحار!!
وعندما ووجه الرجل بتهمة القتل غير العمد أصر هو وزوجته على أنهما دائما الشجار، وقال الزوج انه اعتاد على تهديد زوجته بالقتل، وكان يعتقد دائما أن المسدس خال من أي قذائف، وأنه كان في ذلك اليوم غاضبا بدرجة كبيرة من زوجته فضغط على الزناد وحدث ما حدث.
بينت التحقيقات تاليا أن أحد أقرباء الزوجين سبق أن شاهد ابن الجاني، أو القاتل، يقوم قبل أسابيع قليلة بحشو المسدس بالرصاص. وتبين أيضا أن زوجة الجاني سبق ان قامت بقطع المساعدة المالية عن ابنهما، وأن هذا الأخير قام بالتآمر على والديه عن طريق حشو المسدس بالرصاص، وهو عالم بما دأب عليه أبوه من عادة تهديد أمه بالقتل عن طريق ذلك المسدس الفارغ، فإن نفذ تهديده مرة واحدة فسيتخلص من أمه وأبيه بضربة، أو رصاصة واحدة.
وحيث أن نية الابن كانت القتل فيصبح بالتالي متورطا في الجريمة حتى ولو لم يكن هو الذي ضغط على الزناد،أو استخدم أداة القتل!
وهنا تحولت تهمة القتل من الأب إلى الابن لقتله رونالد أوبوس.
 ولكن استمرار البحث أظهر مفاجأة أخرى،فالابن المتهم لم يكن غير المنتحر، أو القتيل رونالد اوبوس !!!!!
فهو الذي وضع الرصاصة في المسدس ليقوم والده بقتل والدته،وعندما تأخر والده في تنفيذ وعيده، وبسبب تدهور أوضاعه المادية قرر الانتحار من سطح البناية لتصادفه الرصاصة التي أطلقها والده من المسدس الذي سبق ان لقمه بالرصاصة القاتلة، وبالتالي كان هو القاتل وهو القتيل في الوقت نفسه، بالرغم من انه لم يكن من أطلق الرصاص على نفسه، واعتبرت القضية انتحارا، وعلى هذا الأساس أغلق ملفها !!!



Wednesday, April 17, 2013

ديجافو



ديجافو:

ديجا فو Déjà vu أو ديجاڤو كلمة فرنسية تعني "شوهد من قبل"، في إشارة إلى ظاهرة أُطلق عليها هذا الاسم من قبل العالم اميل بويرك في كتابه مستقبل علم النفس. ويقسمها بعض علماء النفس إلى ثلاثة أنواع: déjà vécu "تم رؤيته سابقاً", وdéjà senti "تم الشعور به سابقاً" وdéjà visité "تم زيارته سابقاً". وديجا فو هي الشعور الذي يشعر به الفرد بأنه رأى الموقف الحاضر من قبل بجميع تفاصيله. يلازم هذه الظاهرة شعور بالمعرفة المسبقة وشعور بـ"الرهبة" و"الغرابة" أو ما سماه عالم النفس فرويد بـ"الأمر الخارق للطبيعة". التجربة السابقة التي يهيأ لنا بأننا عشناها عادة ما تكون زارتنا في أحد أحلامنا. ولكن في بعض الحالات ثبتت بأن فعلاً ما نشعر بأنه موقف سابق قد كان حقيقة ووقع في الماضي والآن يُعاد....

سحقا للعمة ويكيبيديا. كل هذا نظريات, مجرد محاولات فاشلة لنقنع أنفسنا بأننا لا نعاني ضربا من الجنون أو ربما شذوذ العقل!
بدأ كل شيء يوم الثلاثاء الثالث عشر من يناير حينما طفت تلك الصورة البعيدة على سطح مستنقع الذكريات... 
قضت صباحا باردا في الطابق الأخير للمدرسة تذرع الممر الطويل جيئة وذهابا, صمت مطبق يقطعه احيانا مدرسة تطل برأسها من احد الفصول في الممر تسأل همسا عما تبقى من وقت للامتحان، تململ هنا وهناك، اضاءة خافتة تبعث في الأجواء نعاس خفي يتسلل الى جفون المراقبات بخفة... فتحت النافذة الصغيرة في آخر الممر لتسمح بتجدد الهواء، أطلت من النافذة وتأملت الشارع لحظات... دق الجرس طويلا معلنا نهاية الامتحان ونهاية دوام ذلك اليوم. هبطت الدرجات المؤدية الى الطابق السفلي سريعا لتلحق بسيارة العودة الى المنزل. سمعت صوتا استوقفها، كان صوتا أنثويا مألوفا يناديها باسمها... سيرين؟
نفس الأسلوب البغيض في لفظ اسمها، مد الياء الأولى أكثر من اللازم بصوت مرتفع... تأملت ذلك الوجه لثوان قليلة قبل أن تتناول الضيفة الغريبة يدها وتضغط عليها بشدة ثم تبقيها في راحتها، وبدأت الكلام... سيرين، كيف الحال وما أخبارك؟ هل أنتي مدرسة هنا؟ هل عرفتيني؟ أتذكرينني؟
نعم؟ هل أعرفك؟
أنا صديقتك. كنا معا في المعهد... 
أعتذر لا أتذكر... قالتها باستعباط وحاولت أن تفلت يدها التي كانت لاتزال في قبضة الضيفة لكن دون جدوى...
أنا منى كنت أسكن أمام المعهد وكنا صديقتين لمدة عام كامل. لابد أنك تتذكرينني يا سيرين.
أعتذر مرة أخرى لم أتذكر. قالتها هذه المرة بحزم أكثر وحاولت جذب يدها لكن الضيفة أحكمت امساكها... 
هل تزوجتي؟ 
كلا.
وأنا أيضا لم أتزوج. لكني التحقت بوظيفة مدرسة ثابتة في مدرسة ..... الثانوية وانا هنا من أجل المراقبة و..... وقد كنت .... وكيف حال....
(كلام كلام كلام! ألا تكف هذه المرأة عن الاسئلة أبدا) كانت تحدث نفسها وقد احمرت وجنتاها وبدأ العرق يتصبب من جبهتها رغم برودة الجو. نعم انها تذكرها جيدا ولكنها تذكر ايضا انها بذلت جهدا كبيرا للتخلص من هذه الذكريات الى الابد، والآن كل هذا مرة أخرى...
تنفست الصعداء حين رأت احدى الطالبات تجري باتجاهها تستعجلها لأن سيارة الأجرة خاصتها قد وصلت. نزعت يدها بقوة هذه المرة وتمتمت بعبارات الاعتذار وجرت بسرعة وقد تضاربت الصور والأفكار في رأسها...
جلست في سيارة الأجرة تفكر بعمق, ألم يحدث كل هذا سابقا؟ نعم، لقد رأت نفسها في ذلك المشهد اللعين سابقا.... 
تسللت الزوجة الشابة الى المطبخ، انتزعت من أحد الأدراج سكينا حادة أمسكت بمقبضها بإحكام وأخفتها خلف ظهرها، مشت بهدوء ناحية الصالة تمتمت لنفسها ببضع كلمات، كان وجهها جامدا خال من أي تعبير وانبرت شفتاها عن ابتسامة مرعبة. عبرت الردهة باتجاه غرفة النوم، قفزت ببراعة خلف سرير حماتها وانقضت بضربات متتالية قوية على جسد العجوز النائمة حتى انقطعت أنفاسها تماما وتأكد لها موتها.
تنفست بعمق وهي ترفع جسدها عن الجثة، ولربما سمع منها صوت قهقهة مكتومة. التفتت ناحية الباب فتجمدت الدماء في عروقها وهي ترى طرف ثوب صغيرتها مختبأة خلف الباب. تلك الشيطانة الصغيرة, لقد حرصت على تهديدها بأنواع العذاب اذا ما نهضت من سريرها او غادرت حجرتها. ما العمل الآن, لقد رأت الصغيرة أكثر مما ينبغي ويجب اسكاتها الى الأبد. تماما مثل جدتها.
وبسرعة تناولت السكين وركضت خلف الصغيرة التي حاولت الفرار وأخذت تصرخ وتستغيث بلا فائدة، فما من مجيب...
أخرجت لفافة كبيرة من البلاستيك من النوع الذي يستخدم لحفظ السجاد، جرّت الجثتين الى الصالة وبدأت بلف كل منها بقطع بلاستيكية كبيرة حتى اختفت معالمها... كان حملا ثقيلا لكنها كانت أكثر تصميما على التخلص منهما، وضعت احداهما في غرفة التخزين داخل شق في الحائط كانت قد أعدته مسبقا وملأته بمادة النفتالين ذو الرائحة النفاثة ثم أعادت بناءه ببعض الاسمنت والرمل الأبيض بعد أن خلطتهما جيدا. أما الأخرى فقررت وضعها في فوهة المدفأة حيث ستتفحم لا محالة مع اشعالها في الليالي الباردة...
افاقت سيرين من أفكارها على صوت زامور السيارة، كان السائق يستعجل سيارة أمامه على الاشارة الضوئية... ياله من يوم غريب، ولماذا تذكرت تلك الحادثة، هل كان لتزامنها مع جلساتها مع منى وأحاديثها السوداوية علاقة؟ هل هي مجرد ألاعيب العقل الباطن؟
لازالت تذكر سبب قطعها لعلاقتها مع منى التي كانت دائمة الشكوى من والدها الذي ظلمها حقها في تعليم جامعي من أجل أن تعمل هي وتنفق على أخوتها الذكور في تعليمهم. ثم ظلمها حقها في الزواج مرات عديدة بحجة أن المتقدم لن يكون زوجا مناسبا لها حتى تبقى في بيته ملتزمة بالانفاق على اخوتها. كم مرة ذكرت رغبتها في قتل أخيها, أو ربما كان والدها... لا تذكر، مضى على ذلك ثمان لا بل عشر سنوات، لكنها تذكر جيدا انها تحدتها مرة أنها لن تقدم أبدا على قتل أحد فما كان منها إلا أن استشهدت بتلك الحادثة التي قامت فيها زوجة شابة بقتل حماتها للتخلص منها حين قامت بالمبيت عندها وابنها وزوجها مسافرين, ثم قتلت طفلتها ذات الأربع سنوات حتى لا يكون هنالك شاهد على جريمتها.... وكانت سيرين تذكر الحادثة جيدا فسخرت من منى بسبب انفضاح أمر الزوجة عند عودة الأب والزوج، واصرار الأب على ابلاغ الشرطة عن اختفاء زوجته داخل العمارة المكونة من طابقين. ورغم اصرار الزوجة في أقوالها أن الحماة خرجت ولم تعد إلا أن الجريمة الكاملة لم تصنع بعد وتم اكتشاف الجريمتين!
هل قامت منى بارتكاب جريمتها؟ لقد كانت طبيعية تماما في لقائهما، سطحية خالية من امارات الذكاء، لسانها يسبق فكرها بأميال...


فتحت النافذة الصغيرة في آخر الممر لتسمح بتجدد الهواء في الممر، أطلت من النافذة وتأملت الشارع لحظات... دق الجرس طويلا معلنا نهاية الامتحان ونهاية دوام ذلك اليوم. هبطت الدرجات المؤدية الى الطابق السفلي سريعا لتلحق بسيارة العودة الى المنزل. سمعت صوتا استوقفها، كان صوتا أنثويا مألوفا يناديها باسمها... سيرين؟
نفس الأسلوب البغيض في لفظ اسمها، مد الياء الأولى أكثر من اللازم بصوت مرتفع... تأملت ذلك الوجه لثوان قليلة قبل أن تتناول الضيفة الغريبة يدها وتضغط عليها بشدة ثم تبقيها في راحتها، وبدأت الكلام... سيرين، كيف الحال وما أخبارك؟
ألم يحدث كل هذا سابقا؟ نعم، لقد رأت نفسها في ذلك المشهد اللعين سابقا....
هل تعرفين ريم.. ريم عصام. انها ابنة أخي الذي يقطن هذا الحي. انها طالبة لديكِ، ربما العام الفائت، انها تقول عنكِ أشياء رائعة وتحبك كثيرا...
كانت لاتزال ممسكة بقبضة يدها بين راحتيها وتتكلم كثيرا كعادتها... ووقفت سيرين تتأملها بامتعاض...
ولكنها تنفست الصعداء حين رأت احدى الطالبات تجري باتجاهها تستعجلها لأن سيارة الأجرة خاصتها قد وصلت. نزعت يدها بقوة وتمتمت بعبارات الاعتذار وجرت بسرعة وقد تضاربت الصور والأفكار في رأسها...

تمت

Friday, February 8, 2013

قصص غريبة: "حرامي في صباحك خير مع العميد"



 اواخر صيف 2011 ده الزمان, المكان العاصمة, بطل القصة، فتلة، حرامي شريف...
 ابتدأ كل شيء في صباح يوم صيفي عادي وفتلة جالس على ناصية الشارع قبالة مطعم فاخر لا يدخله الا اثرياء المدينة، يراقب بحذر رواد المطعم عله يجد صيدا سمينا يقلب عيشه فيه.. لم تطل ساعات المراقبة كثيرا... التاسعة والنصف يخرج من المطعم رجل وامراة يبدو انهما ذلك الصيد المنشود, بدل فاخرة حلي وجواهر تكفي لانهاء مجاعة الصومال وبطون ممتلئة تراها في تمايل الرجل مثل دكر البط من الشبع.
 ركبا في سيارة مرسيدس سوداء فاخرة وحين شقت السيارة طريقها الى العنوان المنشود كان فتلة يقبع خلف مقود سيارته القديمة وينطلق كالثعلب في اثرهما. وصلت السيارة الى الحي الراقي الذي بدا انهما يقطنانه ودخلت الى فيلا جعلت ريق فتلة يجري وهو يحلم بما تخفيه هذه الأسوار والجدران من تحف وثروات وخير وفير...
في الايام التالية قبع فتلة قريبا من الفيلا متخفيا في برميل الزبالة العمومي مرة وفوق غصن شجرة مرة اخرى، يعمل في صمت وحذر يراقب كل شاردة وواردة كل حركة وكل سكنة داخل الفيلا وفي محيطها ويخطط بمهارة للعملية الكبيرة ليلة الصفر.
 وبعد أيام من المراقبة لاحظ شيئا غريبا, كان الزوجان في معظم الايام يعودان الى الفيلا مساء وفي صحبتهما شخص, احيانا رجل واحيانا امرأة ومن مختلف الاعمار. ودوما ما كان الزوجان يخرجان في الصباح التالي دون الضيف.
 الفيلا ليها بابين لكن مع المراقبة المستمرة تبين ان الشخص الثالث لا يخرج من الفيلا لا من الباب الرئيسي ولا الباب الخلفي. فكر فلتة بعمق وحسبها على كل الوجوه فوجد ان الفيلا دي بيحصل فيها شيء غلط. ولو بلغ البوليس غالبا حيتمسك هو ومش هيصدقوه لانه لا يملك سبب مقنع لتفسير مراقبته للفيلا طيب والعمل!
 الساعة السابعة والربع صباحا فتلة ممسك بتلفون الكشك العمومي قريبا من الفيلا المشبوهة. ادار رقم برنامج "صباحك خير مع العميد" وكان برنامج اذاعي شهير جدا مهتم بالاخبار الاجتماعية والمحلية في البلد وله قاعدة عريضة من المستمعين... انا فاعل خير بشتغل حرامي، بقالي مدة براقب فيلا علشان بخطط لسرقتها واكتشفت انها مشبوهة حاجة غريبة بتحصل جوه... ورغم ان المذيع المعروف بالعميد كان يعتقد انها مزحة الا انه اخذ الموضوع على محل الجد بعد التفاصيل والاوصاف التي اعطاها فتلة للاشخاص الذين دخلوا الفيلا وعلى الهواء مباشرة.. قام العميد بالاتصال بمديرية الامن وعلى الهواء برضه وكان فتلة لازال على الخط الاخر فاعطى عنوان الفيلا لمدير الامن مع وصف تفصيلي لمداخل الفيلا ومخارجها. وبعد ساعة كانت قوات الامن تحاصر الفيلا وتم القبض على الزوجين الذين كانا أعضاء في عصابة دولية للاتجار بالأعضاء البشرية وتبين بعد تفتيش الفيلا وجود قبو يحتوي على ثلاجات مليئة بالاعضاء البشرية وبقايا جثث ادمية ومن خلال سير التحقيقات تبين ان الاشخاص الذين ذكرهم فتلة تنطبق أوصافهم على بقايا تلك الجثث والاعضاء. وانتهت تلك القضية بالقبض على تنظيم اجرامي خطير للاتجار بالاعضاء البشرية كان بطلها.. حرامي شريف !

Wednesday, January 30, 2013

قصص غريبة: ماشطة رأسها


وقعت أحداث هذه القصة في بدايات القرن الماضي في احدى ضواحي مدينة صغيرة في الشام وبطلها التاجر الشاب عيسى تاجر القماش المغمور اسما والذي كان لا يزال يصارع الحياة ليرسم نفسه على رقعتها العريضة... ولما اجتمع له بعض المال فكر في كل اللي بيفكر فيه الشباب، الزواج والاستقرار وتكوين اسرة صغيرة يراعيها وتكون له سند في الدنيا....
ولم يطل بحث الست الوالدة فعيسى راجل عاقل لم يشترط المال ولا الجمال ولا الحسب والنسب بل رضي باللتي رضيت بالمهر القليل والبيت الصغير... وهكذا بدأت حياة عيسى ضمن أسرة هادئة رتيبة، الصبح في الدكان والليل في البيت... وهو قانع وراضي بكده، لكن كأي حدوتة فيها زوجة تاجر صغير على قده لازم ولابد نتوقع ان الزوجة عاوزه زوجها يبقى أكبر تاجر قماش في بر الشام كله... وسافر الزوج بحثا عن النادر والثمين من القماش، وكان يعود مرة كل شهر لتصريف بضاعته والاطمئنان على أحوال الدكان والبيت.
وفي يوم وصاحبنا خارج للتجارة كالعادة انقطعت به السبل الى خان في منطقة زراعية نائية. ولما كان الليل في هزيعه الأخير دخل فلم يجد سوى عامل عجوز ساهر الى جوار غرامافون قديم يصدر منه صوت تشويش متقطع وآنات وكأن الاسطوانة التي يلعبها آتية من عالم الأموات. كان العجوز منكبا على الآلة شبه مغمض العينين يتحرك في بطء شديد للأمام وللخلف كالمنوم بالإيحاء... تنحنح عيسى وخاطب العجوز طالبا منه غرفة للمبيت لليلة واحدة. قام العجوز بخطوات مرتجفة ناحية عيسى حتى وقف أمامه، تناول كف يده ووضع فيها مفتاحا صغيرا عليه رقم 11 ثم عاد الى الغرامافون دون كلمة واحدة. نظر اليه عيسى بشك وحيرة لكن تعب السفر اشغله عن الخوض في مغامرة ليلية مع هذا العجوز الغريب. تناول حقيبته وصعد الدرج المؤدي الى الطابق الثاني ولم يطل بحثه عن غرفته فلم يكن الطابق الثاني يحتوي إلا على غرفتين احداهما حفر عليها رقم 11 والأخرى رقم 12. 
واستيقظ عيسى في اليوم التالي نشيطا وهبط الى الطابق الأرضي لدفع ثمن المبيت واعادة مفتاح الغرفة، بحث عن العجوز فلم يجده بل لم يجد أحدا في الخان كله وبدا المكان كئيبا معتما تآكل أثاثه وكأنه هجر منذ سنين وقد اختفت معالم الليلة الماضية بما فيها ذلك الغرامافون الغريب. لعله الليل وارهاق السفر، فخيل اليه ما رأى.. هكذا حدث نفسه وهو خارج عندما تذكر مفتاح الغرفة ودس يده في جيبه فلم يجد شيئا...
مشى في الطريق الزراعي بخطوات سريعة للعودة الى الطريق العام لما استوقفته فتاة لم يرى لها مثيل في حياته قلبت حاله رأسا على عقب. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ نهاية هذا المشهد!
تزوج عيسى من الفتاة التي كان شرطها الوحيد للقبول ألا يدخل عليها ليلا دون استئذان... حاجة غريبة لكن مقدور عليها مقارنة مع شروط البنات في الزواج... وهكذا كان.
وكان عيسى يتردد بين منزله في الشام وبين بيته الريفي البسيط وزوجته المحبة الراضية بزياراته القليلة مرة كل شهر وفي وقت معلوم متفق عليه بينهما كما كان الاتفاق...
وكان عيسى كلما زار زوجته الجديدة وجدها في أبهى صورة. وفي كل مرة كانت تبدو أكثر جمالا من ذي قبل، ومرة بعد مرة دخل الشيطان في نفسه، وأخذت نفسه تحدثه عن ذلك الشرط الغريب الذي اشترطته زوجته الجميلة عليه، لماذا يضطر لاخبارها بموعد زيارته، وماذا لو كانت تخفي سرا، وما هو ذلك السر؟ 
ألح عليها لمعرفة السر، لكنها اصرت على تنفيذ الاتفاق دون تفاصيل... 
لكن النفس أمارة بالسوء وقد دخل الشك الى قلبه، وقرر عيسى زيارة زوجته دون أن يخبرها. وصل الى بيته ليلا، فتح باب البيت بمفتاحه الخاص وتوجه مباشرة الى غرفة نومها، كان الصمت والظلام يلفان المنزل كله إلا غرفة النوم التي كان يأتي منها ضوء خفيف، دخل الغرفة بحذر ونظر في أرجائها حين وقعت عيناه على أفظع منظر قد يراه بشر... كانت زوجته تجلس امام المرآة وهي تضع رأسها في حجرها وفي يدها مشط كبير تمشط به شعرها الأسود الطويل... نعم لقد كان الرأس مفصولا عن الجسد، وآخر ما شاهده عيسى كانت نظراتها الحادة اللائمة التي خرجت من عيون ذلك الرأس قبل أن يخرج جريا هائما على وجهه في الغيطان بلا عودة.

تمت          

Thursday, January 24, 2013

لوحـــــــة HDR


الساعة الثالثة بعد منتصف الليل.. لا صوت سوى وقع أقدامه المضطربة على الاسفلت القاتم وأنفاسه اللاهثة. كان يتلفت حوله في شك وحيرة، هل افتضح أمره؟ هل خانته هي فأفشت سره؟ آه لتلك اللوحة البغيضة... لماذا لا يستطيع أن يثق في أحد؟ لماذا لم يستطع ان يدفن هذا السر في أعمق هوة من قلبه فيغلق على سره جدران ضلوعه فلا يطلع عليه أحد حتى لا يكون سببا يدفعه الى حد الهاوية أو الجنون...
أسئلة... آلاف من الاسئلة والسباب واللعان وجهها لنفسه وهو يجري على الطريق الاسفلتي القديم خارجا من بلدته الصغيرة هائما على وجهه بلا عودة... الى أين، ليس مهما، المهم الهروب الى حيث لا أحد يعرفه أو يعلم ما اقترفت يداه...
ماذا فعل؟ هه، ليس هذا بالمهم فلقد بات كل العالم الآن يعلم بشاعة نفسه وحماقته التي أدت به الى هذا... لكن المهم حقا هو ما استطاع اخفاءه في جيبه قبل رحيله، نعم فتلك الصرة الخضراء الرثة المبللة هي فقط ما يستطيع اخراجه من جرمه، هي الدليل الوحيد على أن ما فعله كان ينبغي فعله وبدفنها فقط يستطيع دفن الماضي الى الأبد...

Friday, January 11, 2013

"الست ام نوسة بتدور لابنها على عروسة"




وحشتوني كلكم. من زمان ما عبرتش عن ذات مكنونات نفسويتي وكتبت حاجة... من ايام قعدة ستات الطاولة المستربعة... اييييييه كانت ايام، بحلوها ومرها جميلة ووحشوني البنات وحواديدتهم وقرهم ع الرجالة.. احم اقصد حديثهم عن بطولات ازواجهم والفسح والحياة البمبي والكلام الفاضي اللي من النوع ده... ما علينا ما علينا خلينا في المهم..

انتم طبعا فاكرين اهل حتتي حبايبي الست ام فاروق وجمالات وام حفيظة وام فتحي وام توتو وحتى مقصوفة الرقبة عطيات ومقالبها البايخة
اه بقالي مدة منقطعة عن جمعتهم وحواديتهم والسبب الست ام نوسة اللي سببتلي الروماتيزم والزوهايمر والجفاف بعد اللف اللي لفيته معاها على عروسة المحروس ابنها لحد ما جالي شلل اطفال! ده انا شفت فيكي محافظات ومطارح يا مصر اشك انها موجودة على الخريطة ده لو كعب داير كان ارحم سامعاك ياللي هناك وبتقول بتبالغ طيب انا اقول اللي حصل وانا راضية ذمتكم...


(1)
"عينيها خضرة وشعرها اصفر"


اصطبحت يوم جمعة اجازة بقى عقبال امالتكم ونفسويتي جايباني على حلة كاكاووو اصحصح بيها - والساعة يادوووب تمانية - ابتسامة عريضة وانا داخلة المطبخ وبهش النوم عن عونيا ومستمتعة بصوت زقزقة العصافير واذ صوت شبه البلدوزر جاي من ناحية البلكونة...
- ام تفيييييييييييدة... يام طفطف... يا تفتوووووفة
- تفتوفة!!! هي حصلت؟؟ مين الوليه القراشانة اللي بدلعني بالوان التفتف ع الصبح!
وجرررري ع البلكونة ابص لتحت شفت ام نوسة على سنجة عشتاشر لابسة جلابية العيد وزارعة في عنينها كرومب ودستة غوايش في كل دراع خلتها شبه عروسة المولد وبابتسامة كلها عذوووبة كشفت صف اللولي الاصفر اللي في بقها بصتلي بدلع وقالتلي:
- معاكي تلات دقايق يام تفيدة تحطي جلابيتك وتنزليلي ماذا والا اسيحلك في الحتة واقول مواعيدك فشنك
- هو انتِ لسه هتسيحيلي يا وليه ايه ده ثم هو موعدنا مش كان السبت انتِ نسيتي
- لا ياختي مانسيتشِ الجماعة كلموني ع المحمول امبارح وقالوا تعالوا النهاردة
- الامر لله كانت شورة مهببه يوم ما استجدعت وقولتلك اجي معاكي انا عارفة مش هيجي من ورا المشاوير دي الا وجع القلب وقلبة الدماغ
- بتبرطمي بتقولي ايه يام تفيدة انتِ لسه واقفة عندك
- حالاااااااا نازله حالااااااااا

نزلنا ويادوب الساعة ماجتش تسعة وانا مدايقة الصراحة اصلها بدري قوي وعيب ندخل ع الجماعة بدري كده خصوصا يوم جمعة
- انتِ متأكدة يام نوسة ان الجماعة ادولك المعاد ع الصبح بدري كده
- معاد ايه يام طفطف هي الحاجات دي فيها معاد.. احنا اتفقنا معاهم يووووم الجمعة
- ومادام يوووم الجمعة ليه طالعين بدري قوي قوي كده
- يا نصيبتي هو انتِ مش عارفه احنا رايحين بدري ليه
- عارفه بس مكدبة نفسي
- لا ما تكديبهاش هو كده
- الحاجات دي بطلت من زمان يام نوسة من ايام الخاطبة والبيشة وماري منيب والابيض والاسود ايام ما كانت النسوان تطب على بيت العروسة الفجرية زي القضا المستعجل علشان يشوفوها من غير زواق وعلى الطبيعة وياخدوا معاهم شوية بندق بقشرها علشان يستأكدوا ان سنان العروسة أصل مش طقم عيره
- طبعا هي دي الاصول اومال هاعرف ازاي ان العروسة حلوة ونغشة وبتصحى من النوم شبه الملايكة وللا كئيبة وبتصحى بشلوت وتقوم شبه شرفنطح.. ياختي ده زمان قالوها حكمة الحلو حلو ولو قام من النوم
- واحنا لازم نطبق الامثال دي بحذافيرها!!
- اسمعي يام تفيدة تبصي لام العروسة كويس تفليها من راسها لساسها فاهماني
- ليه واحنا هنجوز الواد لام العروسة
- يام تفيدة اتنصحي شوية الواد تلتينه لخاله يعني لو ام العروسة حلوة العيال تطلع حلوة والنظافة اهم حاجة النظافة اصلها لو نظيفة بنتها تطلع زيها ولو عفشة ولا مؤاخذة البت تطلع لمين
- لميييين؟
- ام تفيدة ركزي معايا يا وليه
- مركزة طبعا انا اركز مع ام العروسة لا احود يمين ولا شمال

ومشينا.. هريتني مشي الوليه وانا اقولها نركب تكسي وهي تبتسم ابتسامتها الرقيقة وتقولي:
- اهي انتِ عجزتِ يام طفطف وللا ايه 
وصلنا العمارة والحمد لله الجماعة شقتهم في الطابق التاني واحنا طالعين الوصايا العشرة بقى:
- ما تنسيش يام طفطف تعملي نفسك عاوزة تروحي الحمام وابقي تفقديه كويس
- يا وليه اهمدي حتى الحمام ماسلمش منك
- قوليلي انتِ يا ناصحة نعرف نظافة البيت ازاي
- يا رب ارحمني
وصلنا باب الشقة ام نوسة حطيت صوباعها ع الجرس ودوس يا معلم لحد العمارة كلها ما فزعت على صوت الجرس.. وخرج صاحب البيت بالبيجاما الكستور فاكر ده الزبال لانه كان شايل كيس الزبالة ونطره في وشنا اول ما فتح الباب وباين اتصدم اما شاف اتنين ستات لابسين اللي ع الحبل وواقفين بابتسامة عريضة في وشه ع الريق كده وقبل ما يفوق من الصدمة كانت ام نوسة دخلت الشقة وانا في ريحها على طووول وقدمتنا للراجل
- احنا اللي كلمتونا امبارح علشان العروسة
الراجل لازال على انصدامه وقال وهو بيبص في ساعته:
- اهـ اهلا اتفضلوا في الصالون
وخد بعضه وخرج من الاوضة وهو بيتلفت وراه.. شوية ودخلت علينا ام العروسة وعلى وشها نفس نظرة الانصدام واعتذرت بأدب على التأخير سألتنا تشربوا ايه ام نوسة قالتلها كلمة واحدة:
- العروسة


خرجت ام العروسة وغابت عن الانظار... ربع ساعة تقريبا... وام نوسة طبعا اشتغلت تقلب بعنيها العفش والحيطان...
شويه ودخلت العروسة وكانت زي القمر وحسيت ان ام نوسة قفشت فجأة مالت عليا واتنحنحت:

- لا ياختي يام تفيدة دي لا منكن انتي عاوزه توكسينا
- واوكسك ليه ياوليه
- انتي مش واخدة بالك من العروسة عنيها خضرة ازاي دي طرطوفة نظرة تجيب الفاموليا كلها الارض
- يا سلام ومين قال ان العين الخضرة بتحسد ما انا اهو قدامك وعنيا خضرة وبقالنا جيران والباب في الباب من قرن عمري حسدتكم في حاجة!
- ياخراشي تصدقي ياختي عمري ماخدت بالي.. وانا اقول الزرع اللي كان مالي الجونينة تاني يوم ما شربتي معايا القهوة في البلكونه صبح كله مصفر وكانه ادلق عليه جاز يا ساتر يا رب
- انتي بتبرطمي بايه
- لا مافيش


وطبعا استأذنا الجماعة بالجملة الشهيرة كل شيء قسمة ونصيب وربنا يجعللنا نصيب عندكم الخ الخ...



وفي هذه المواقف عادة اهل العروسة بيستنوا تلفون من ام العريس وبعد يومين لا حس ولا خبر تفهم ام العروسة ان الجماعة صرفوا نظر...

وطبعا مافيش داعي اقولكم ان ام نوسة... صرفت نظر.


                                                               يتبــــــــــــع....
                                                             "مجلس الخاطبة ام مصلحي"