Wednesday, January 30, 2013

قصص غريبة: ماشطة رأسها


وقعت أحداث هذه القصة في بدايات القرن الماضي في احدى ضواحي مدينة صغيرة في الشام وبطلها التاجر الشاب عيسى تاجر القماش المغمور اسما والذي كان لا يزال يصارع الحياة ليرسم نفسه على رقعتها العريضة... ولما اجتمع له بعض المال فكر في كل اللي بيفكر فيه الشباب، الزواج والاستقرار وتكوين اسرة صغيرة يراعيها وتكون له سند في الدنيا....
ولم يطل بحث الست الوالدة فعيسى راجل عاقل لم يشترط المال ولا الجمال ولا الحسب والنسب بل رضي باللتي رضيت بالمهر القليل والبيت الصغير... وهكذا بدأت حياة عيسى ضمن أسرة هادئة رتيبة، الصبح في الدكان والليل في البيت... وهو قانع وراضي بكده، لكن كأي حدوتة فيها زوجة تاجر صغير على قده لازم ولابد نتوقع ان الزوجة عاوزه زوجها يبقى أكبر تاجر قماش في بر الشام كله... وسافر الزوج بحثا عن النادر والثمين من القماش، وكان يعود مرة كل شهر لتصريف بضاعته والاطمئنان على أحوال الدكان والبيت.
وفي يوم وصاحبنا خارج للتجارة كالعادة انقطعت به السبل الى خان في منطقة زراعية نائية. ولما كان الليل في هزيعه الأخير دخل فلم يجد سوى عامل عجوز ساهر الى جوار غرامافون قديم يصدر منه صوت تشويش متقطع وآنات وكأن الاسطوانة التي يلعبها آتية من عالم الأموات. كان العجوز منكبا على الآلة شبه مغمض العينين يتحرك في بطء شديد للأمام وللخلف كالمنوم بالإيحاء... تنحنح عيسى وخاطب العجوز طالبا منه غرفة للمبيت لليلة واحدة. قام العجوز بخطوات مرتجفة ناحية عيسى حتى وقف أمامه، تناول كف يده ووضع فيها مفتاحا صغيرا عليه رقم 11 ثم عاد الى الغرامافون دون كلمة واحدة. نظر اليه عيسى بشك وحيرة لكن تعب السفر اشغله عن الخوض في مغامرة ليلية مع هذا العجوز الغريب. تناول حقيبته وصعد الدرج المؤدي الى الطابق الثاني ولم يطل بحثه عن غرفته فلم يكن الطابق الثاني يحتوي إلا على غرفتين احداهما حفر عليها رقم 11 والأخرى رقم 12. 
واستيقظ عيسى في اليوم التالي نشيطا وهبط الى الطابق الأرضي لدفع ثمن المبيت واعادة مفتاح الغرفة، بحث عن العجوز فلم يجده بل لم يجد أحدا في الخان كله وبدا المكان كئيبا معتما تآكل أثاثه وكأنه هجر منذ سنين وقد اختفت معالم الليلة الماضية بما فيها ذلك الغرامافون الغريب. لعله الليل وارهاق السفر، فخيل اليه ما رأى.. هكذا حدث نفسه وهو خارج عندما تذكر مفتاح الغرفة ودس يده في جيبه فلم يجد شيئا...
مشى في الطريق الزراعي بخطوات سريعة للعودة الى الطريق العام لما استوقفته فتاة لم يرى لها مثيل في حياته قلبت حاله رأسا على عقب. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ نهاية هذا المشهد!
تزوج عيسى من الفتاة التي كان شرطها الوحيد للقبول ألا يدخل عليها ليلا دون استئذان... حاجة غريبة لكن مقدور عليها مقارنة مع شروط البنات في الزواج... وهكذا كان.
وكان عيسى يتردد بين منزله في الشام وبين بيته الريفي البسيط وزوجته المحبة الراضية بزياراته القليلة مرة كل شهر وفي وقت معلوم متفق عليه بينهما كما كان الاتفاق...
وكان عيسى كلما زار زوجته الجديدة وجدها في أبهى صورة. وفي كل مرة كانت تبدو أكثر جمالا من ذي قبل، ومرة بعد مرة دخل الشيطان في نفسه، وأخذت نفسه تحدثه عن ذلك الشرط الغريب الذي اشترطته زوجته الجميلة عليه، لماذا يضطر لاخبارها بموعد زيارته، وماذا لو كانت تخفي سرا، وما هو ذلك السر؟ 
ألح عليها لمعرفة السر، لكنها اصرت على تنفيذ الاتفاق دون تفاصيل... 
لكن النفس أمارة بالسوء وقد دخل الشك الى قلبه، وقرر عيسى زيارة زوجته دون أن يخبرها. وصل الى بيته ليلا، فتح باب البيت بمفتاحه الخاص وتوجه مباشرة الى غرفة نومها، كان الصمت والظلام يلفان المنزل كله إلا غرفة النوم التي كان يأتي منها ضوء خفيف، دخل الغرفة بحذر ونظر في أرجائها حين وقعت عيناه على أفظع منظر قد يراه بشر... كانت زوجته تجلس امام المرآة وهي تضع رأسها في حجرها وفي يدها مشط كبير تمشط به شعرها الأسود الطويل... نعم لقد كان الرأس مفصولا عن الجسد، وآخر ما شاهده عيسى كانت نظراتها الحادة اللائمة التي خرجت من عيون ذلك الرأس قبل أن يخرج جريا هائما على وجهه في الغيطان بلا عودة.

تمت