Sunday, June 17, 2012

قصص غريبة: "الدبدوب الأبيض"

"الدبدوب الأبيض"


أحداث هذه القصة حدثت في إحدى ضواحي حي هادئ عام 2002، ولتسمح لي عزيزي القارئ أن أتحدث إليك براحة ويسر فأحدثك بالفصحى تارة وبالعامية تارة أخرى ليس لعيب في العربية الفصحى - لا سمح الله - ولكن حتى تصل أفكاري إليك كما أراها أمام عيني...
بداية اسمح لي بأن أعرفك على أبطال قصتنا...قصتنا اليوم ابطالها راوية صاحبة الوجه البشوش دوما مهندسة كمبيوتر تعمل لدى احدى شركات البرمجة. متزوجة ولديها من الأبناء أحمد وعلا... أما الزوج فهو البشمهندس ممدوح صاحب شركة مقاولات صغيرة، خلوق جدا محب لعائلته وزوجته ومخلص جدا في عمله...
هي أسرة زي كل الأسر المصرية التي تكون في بداية مشوار الحياة متوسطة الحال تعمل بجد وجهد حتى تستطيع توفير معيشة كريمة لابنائها...
وكعادة الزوجين في كل صباح يخرج ممدوح من البيت اولا ثم تجهز راوية الولدين وترافقهما للمدرسة ثم تذهب الى عملها القريب من البيت...
وكان المعتاد في نهاية كل اسبوع ان يأتي الولدين مبكرين من المدرسة فيذهبا الى بيت جدتهما القريب ثم يلحق بهما الوالدين لقضاء اليوم مع الجدة والأقارب...
وفي مرة من المرات قرر الوالدين تحت الحاح شديد من احمد وعلا الخروج الى مدينة الملاهي التي كانت تقام في المدينة بمناسبة بداية الربيع وسعد الزوجين بالفسحة تماما كسعادة الطفلين وربما اكثر ومضى اليوم رائعا ممتعا ومما زاد راوية سعادة محاولات ممدوح المستميتة امام معرض الهدايا لمحاولة الحصول على الدبدوب الابيض اكبر لعبة في المعرض وطبعا الحصول عليه يكون مقابل رمي الكرة واسقاط كل الاهداف المرصوصة على الرف... وكسب ممدوح الجايزة الاولى وحمل الدبدوب الذي يبدو بحجم طفل في الخامسة من عمره وقدمه هدية لزوجته الحبيبة... وعاد الجميع الى المنزل بعد يوم حافل وقررت راوية وضع الدمية في صالة المنزل بسبب صغر حجم اوضة النوم...
وفي صباح اليوم التالي استعد الجميع للخروج وكانت راوية مستعجلة على غير العادة بسبب قدوم مدير جديد للشغل عندها فقررت الخروج قبل الاولاد مع التأكيد عليهم بضرورة اغلاق الباب باحكام عند الخروج من المنزل والتأكد من انه المفتاح مع احمد لانه الكبير... وفعلا خرج الاولاد ونفذوا وصية امهم ومضى اليوم عاديا... وبعد الظهر عاد ممدوح الى المنزل مع الاولاد وكانت راوية لاتزال في الشغل... دخل الجميع الى المنزل وجري الاولاد سريعا الى المطبخ بحثا عن الغداء اللي كان المفروض راوية حاطاه في التلاجة حتى يتم تسخينه عند عودتهم لكن فوجئ الطفلان بأن الأكل كان محضرا على طاولة السفرة ساخنا تعبق رائحته الزكية في المكان... نظر الطفلان الى بعضهما باستغراب وافاقا من شرودهما مع سماعها لكلمات ممدوح آتية من غرفة النوم "خرجوا الاكل من التلاجة يا ولاد انا جاي حالا اسخنه علشان ناكل مع بعض"... لحظات ودخل ممدوح الى المطبخ فوجد الطفلين لازالا واقفين امام طاولة السفرة فنظر اليهما باستغراب معاتبا "انا مش قولت تستنوا بابا يعني احسن تحرقوا صوابعكم وانتم بتسخنوا الاكل.. ثم ازاي حضرتوا السفرة بسرعة كده شكلكم واقعين من الجوع... يلا يا ولاد علشان ناكل"...
ولما جلس الجميع للغداء اخبر احمد والده بما حصل وانه هو واخته دخلا المطبخ فوجدا كل شيء جاهزا... فكر ممدوح لحظات ثم ابتسم وقال "امكم مابتنساش حاجة اكيد جات البيت قبلنا وحضرت السفرة"...
وفي المساء كان ممدوح قد نسي ما حدث وانشغل الولدان بتحضير دروسهما وانهاء الواجبات.. اما راوية فكان امامها تلال من الاوراق التي كانت بحاجة الى انجاز انتهت منها قريبا من منتصف الليل.. دخلت الى المطبخ وهي تتمنى ان تجده نظيفا مرتبا ولكن هيهات فها هي أكوام الصحون على المجلى والاكواب المتناثرة هنا وهناك... لكنها شعرت بتعب شديد فقررت النوم على ان تصحو باكرا لانجاز المطبخ قبل ذهابها الى العمل... وفعلا استيقظت راوية على اذان الفجر وهمت بايقاظ ممدوح للصلاة لكنها لم تجده بجوارها ولا في المنزل فايقنت انه ذهب للمسجد... اتجهت الى المطبخ ويا للمفاجأة السارة المطبخ من كتر النظافة بيلمع... ابتسمت في رضا صلت ثم عادت الى فراشها لتستمتع ببضع لحظات اخرى من النوم اللذيذ قبل موعد الاستيقاظ...
وفي الصباح شكرت راوية زوجها على تعاونه معها وهو ينظر اليها باستغراب شديد "مساعدة.. المطبخ... راوية يا حبيبتي انا كنت في سابع نومه وماصحيتش الا الفجر"... "يكونش العيال؟ شفت هما عيال طيبين ازاي"... وطبعا كان لابد من شكر الاولاد على انجازهم وتذكيرهم انه ده واجب ماما ومش لازم يصحوا في نص الليل علشان يساعدوها... ضحك الاولاد من الفكرة وانكروا تماما انهم مسؤولين عن تلميع اي حاجة في المطبخ... وطبعا بسبب الضحك والابتسامات والغمز فهم الابوين انهم خلف الحدوتة دي لكن مش عاوزين يقولوا خوفا من تكليفهم ببعض الاعمال المنزلية...
وفي الايام التالية تكرر خروج راوية الى عملها قبل بقية افراد العائلة ثم عودتهم هم قبلها ودائما ما يجد الاولاد البيت مرتبا نظيفا والاكل جاهز على السفرة وعند سؤال الاب عمن ينجز هذا العمل يكون الجواب واحدا: "امكم"...
وفي مرة حدث أن خرجت راوية من البيت ثم عادت بعد ساعتين لجلب بعض الأوراق المهمة.. دخلت الى اوضة النوم وأخذت الأوراق ثم خرجت لكنها عادت بضع خطوات الى الوراء نحو الصالة فقد لاحظت شيئا غريبا... الدبدوب اختفى!
لم يكن الموضوع ذو أهمية لولا ان راوية سمعت صوتا غريبا مصدره المطبخ.. وكأنه صوت حنفية الميه وكركبة صحون... اتجهت راوية بحذر نحو مصدر الصوت وما ان وقع بصرها على المجلى حتى شهقت وسقطت مغشيا عليها وقد احترق جسدها بالكامل...
أفاقت راوية من غيبوبة طويلة وقضت أكثر من ثلاثة أشهر في المستشفى تتعافى من الحروق لكنها ابدا لم تنطق بعد ذلك فقد اختفى صوتها تماما كما اختفى الدبدوب الابيض في ذلك اليوم...